فى النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى أهدى الىّ أحد الأصدقاء شريط (كاسيت) يحوى فقرات ليلة شعرية للراحل الشاعر اسماعيل حسن والشاعر محمد جيب الله ودكدكى أقيمت فى أحد الاندية الاجتماعية فى ديوم الخرطوم. وقد حوت احدى قصائد ودكدكى إشارة طريفة الى الأسماء الطارئة والمستحدثة فى ثقافتنا والتى تكاد تقضى على ما ألفنا من الأسماء المذكرة والمؤنسة على حد سواء فكادت تختفى أسماء جميلة الجرس والمعنى مثل (نفيسة) لتحل محلها أسماء غريبة الوجه والجرس واللسان لا يعرف الناس لها معنى لكنهم حاكوا بها أسماء النجوم فى السينما والتلفاز وأكثر تلك الأسماء تعد أسماء فنية وليست هى الأسماء الحقيقية لأولئك النفر من الممثلين والممثلات! تحدث ود كدكى عن أسماء طارئة مثل ( وليد) و (تغريد). ورغم أن اسم (وليد) اسم موغل فى القدم يعود الى الجاهلية الأولى وصدر الاسلام اشتهر به بنو أمية , الا أنه يبدو كأننا قد اكتشفناه مؤخراً وللتو. أما (تغريد) فانه اسم جميل على أية حال. يقول ود كدكى:
ومن الأسامى الجن جداد ديل ولا فيهن إحمد ولا الرشيد
أى ان المولود الجديد قد اختاروا له أسماً ليس كما اعتدنا عليه من أسماء ك (إحمد) لاحظ كسر الهمزة ولا (الرشيد)! وتمكّن القائل بعد لأى من نطق (وليد) :
تقول علىّ سمع قولة (وليد).
وقد تملكتنى الحيرة لبعض الوقت وأنا أحاول معرفة سبب إنتشار اسم (الرشيد) فى محافظة مروى بالولاية الشمالية خاصة قريباً من مدن كريمة ومروى وما جاور تلك المناطق. تصورت أن سبب ذلك ربما كان الاسم المركب (هارون الرشيد) وهو اسم والدى رحمه الله سقطت منه كلمة الرشيد وأعلم آخر حمل ذات الاسم ذهبت عنه هارون. ونظراً لأن الطريقة الصوفية السائدة فى تلك المنطقة هى الطريقة الختمية فلا يثير الإنتباه انتشار أسماء السادة المراغنة مثل هاشم وجعفر ومحمد عثمان والسر وسر الختم ومحجوب . ونظراً لوجود جيوب للأحمدية فهناك الندراوى وإدريس نسبة للأدارسة. لكن اتضح لى أن سبب انتشار اسم الرشيد يعود للشيخ ابراهيم الرشيد مؤسس الطريقة الرشيدية وهو أحد تلاميذ الشيخ أحمد بن إدريس الفاسى أستاذ السيد محمد عثمان الميرغنى مؤسس الطريقة الختمية . وقد سبقت الرشيدية الختمية الى مناطق الشايقية فى شمال السودان. وقد كان الشيخ ابراهيم الرشيد شخصية صوفية مؤثرة ترجم له الدكتور الأمريكى جون فول فى طروحته لنيل الدكتوراة من جامعة هارفارد ستينيات القرن العشرين وكانت عن الطريقة الختمية. وقد ذكر فى ترجمة الشيخ ابراهيم الرشيد أن تلاميذاً له فى مكة المكرمة قد ذهبوا بطريقته الى سوريا والى اندونيسيا ومناطق أخرى فى شرق آسيا وذلك قبل قدومه الى مناطق الشايقية فى السودان. وأضاف أن خليفته بعد موته قد نشر طريقته فى شرق افريقيا خاصة فى بلاد الصومال وإثيوبيا وأن السيد محمد بن عبد الله الملقب ب (الملا المجنون) قائد ثورة الصومال ضد المستعمر وكذلك محمد يوسف الثائر الاثيوبى قد استلهما فكر الثورة على المستعمرين من تعاليمه. ويبدو غريباً رغم قوة هذه الطريقة التى ضمنت لها الانتشار فى خارج السودان حتى بلغت بلاد الشرق الأوسط والأقصى, أن تتراجع أمام الطريقة الختمية بل وتتلاشى فى نهاية المطاف رغم أنهما قد خرجتا من مشكاة واحدة فى بلاد الحجاز ورغم أن الشيخ ابراهيم الرشيد من أهل البلاد والمنظقة بينما كان مؤسس الطريقة الختمية من أشراف الحجاز قدم الى السودان لأول مرة عام 1917 قبل حملة محمد على باشا على السودان بأعوام قلائل. لكن بقى تأثير الرجل كما رأينا فى الأسماء . ولبقاء الأسماء عوامل أخرى غير التأثير الصوفى حيث تبقى الأسماء فى الأسر ابقاء لذكرى الآباء والأجداد لا لمجرد الولاء الصوفى فجل الناس فى المنطقة لا يعرفون اليوم كبير شىء عن الشيخ ابراهيم الرشيد لكنهم يتوارثون أسماء أجداد لهم أدرك ذووهم الشيخ وانخرطوا فى طريقته فسموا أبناءهم عليه تيمناً وتبركاً. وفى كثير من الأحيان يستطيع الباحث معرفة مناطق الأفراد من أسمائهم ففى الجزيرة الخضراء دون غيرها تنتشر أسماء الطريفى والمكاشفى والنويرى وحمد وحمد النيل وبلل وبلل الشيب وفقأ لانتشار الطرق الصوفية ففى نواح طابت مثلاً تنتشر أسماء شيوخ السمانية : عبد المحمود بينما نجد عند سمانية أم مرحى شمال الخرطوم اسم الطيب وفى نواحى العركيين تجد : دفع الله وعبد الباقى ويكثر الصادق والهادى وبشرى حيثما انتشر أنصار الامام المهدى.
وهذه ظاهرة فى كل بقعة من بقاع المسلمين : ففى الجزائر ينتشر اسم عبد القادر بين الشيوخ والكهول نسبة الى قائد ثورة الجزائر الشيخ عبد القادر بن محى الدين الجزائرى وكذلك اسم عبد الحميد نسبة للشيخ الجليل عبد الحميد بن باديس الصنهاجى وبين شبابهم ينتشر اسم (جمال) و(ناصر) نسبة للرئيس جمال عبد الناصر الذى أعجبوا به وبدعمه الكبير لثورة تحريرهم من قبضة الفرنسيين. ولم أصادف شخصاً تسمى بينهم بهوارى بومدين رئيس جمهوريتهم الثانى بعد بن بيلا لأن ذلك لم يكن اسمه فاسمه الحقيقى محمد بن خروبة بينما هوارى بومدين هو اسمه الحركى إبان الثورة وهو فى الأصل اسم لولى فى الغرب الجزائرى. وقد تجد هناك اسم بومدين أو هوارى. وان كانت الهوارى نسبة الى قبيلة (الهوارة) فقد قدموا الى السودان ومصر من تلك المنطقة فى غرب الجزائر. وحيث يسود الاسلام الشيعى لا تكاد تجد أسماء كعثمان ومعاوية . وفى شبه القارة الهندية تنتشر بين المسلمين أسماء ذات أصول عربية وفارسية وتركية وأوردية وكثير من أسماء المغول الذين حكموا هذه المنطقة لقرون طويلة. ومن طريف ما سمعت من أحد مسلمى سريلانكا أن عماً له ظل يحمل اسما فارسياً جل سنى عمره حتى علم ان معناه ( الحُزن) فبدله وحمل اسماً غيره. وتوجد عند المسلمين غير العرب عادة فتح المصحف الشريف اتفاقا بحثاً عن اسم يطلقونه على المولود فتاتى التسميات بلا معنى كأن يسمى أحدهم كريمته باسم جزء من جملة شرطية (وإن تتوبا) ! وثبت عن النبى(ص) أنه كان يتخير من الأسماء ذى المعنى الحسن منها. وقيل أن علياً هم بأن يسمى نجله الأكبر (حرب) فسماه النبى (الحسن). وكان يسأل الرجل: ما اسمك فيقول (أنا صعب) فيقول (بل أنت سهل) وهكذا.
ومبلغ علمى – وفوق كل ذى علم العليم- أن الفرنجة رغم ما يطرأ على حياتها واشيائها من تغييرات كل يوم بفعل مخترعاتهم الا أن أسماءهم لا يطرأ عليه تغيير بفعل الزمن والحادثات يعصمهم من ذلك اللقب أو الاسم الأخير أو اسم العائلة حيث تحرص العائلات على الحفاظ على اسم العائلة قرونا طويلة خاصة العائللات العريقة. وقد ثبت أن بعضهم يغير اسم عائلته أو يدعى النسب الى عائلات تأريخية لأسباب تعود عليه بمنافع أقلها الجاه والصيت الحسن .