استحكمت حلقات المأساة علي الجزيرة الخضراء أم السودان الرؤوم التي ظلت حضناً دافئا لكل من لجأ إليها خائفا يترقب من ضيق ذات اليد وضيق الحيلة فأغدقت من خيرها الوفير علي أولئك دون من ولا أذي ولا سؤال عن من أي البلاد أنت أو من أين عشيرة ينحدر أبوك، أكنت أنت من تنبول أو الطينة او مروي أو الفولة أو الرنك لا فرق !وجاءت جموع غفيرةً أخري من وراء الحدود مسالمة راغبة في العمل والعيش الكريم فلم ترد الجزيرة البهية الخضراء الحنون أحداً ، قبلتهم جميعا أبناء أعزاء وحسان (ضلالات )في وصف سيد احمد الحردلو عليه من الله الرحمات ،فازدانت بهم عاصمتها ود مدني بالاضافة إلي شوام ،يونان أهل إبراهيم خان وطليان فهي أول عواصم السودان في عهد ما بعد غزوة إسماعيل باشا. بادلها أولئك جميعا حبا بحب و وفاءا بوفاء فتغني الشعراء والموسيقيون وأهل الغناء بحنوها وحسن معشر أهلها الكرام وتفنن الرياضيون وهم يجولون.بجسارة في الملاعب والميادين الخضراء بالكرة يرفعون بمهاراتهم ذكرها بين مدن السودان أو بين الأنام خارج السودان: محجوب الله جابو، دورية، ابراهومة ، حكيم الجاك ، شيكن وعبدالله شريعة ، سمير ،حمد النيل، أحمد حامد ، عمو الفاتح، أبو القاسم بلة (سنطة ) وعبدالرحيم الشيخ ، الريح جادين وكسلا والديبا وغيرهم، لم يغار مؤسسوها من آل دشين والسني من مزاحمة من ذكرنا فقد أصبحوا جميعا أهلها وذويها ولم يتأفف أبناء الجزيرة المبدعين من شعرائها الفطاحل: كامل عبد الماجد ، وأستاذنا بركات جمعة وعبداللطيف سعيد والمساح وحميدة ابعشر ومحمد طه القدال وسيد الخطيب من حفاوة خليل فرح القادم من أقصي الشمال وهو يغني: (مالو أضناه النضال بدني. ) فمحمد الامين والكاشف وابو عركي وبادي محمد الطيب وعبدالكريم عبدالله والخير عثمان ومحمد مسكين ورمضان زايد وعبدالعزيز المبارك وعصام محمد نور ومكاوي من طابت جنبا إلي جنب مع ابنها بالأصالة الخالدي كلهم شربوا معني الوطن الجامع وهم يتفيؤون ظلال الحنان في مدني. منهم من مروا عليها كالتجاني حاج موسي وسواه كأنهم جاءوا ليتعمدوا في مياه أزرقها الدفاق بحب الوطن. كيف لا وقد ذاقوا طعم البوتقة التي صهرتهم في أكنافها وأرضعتهم من ضرعها الدفاق الحب والوفاء.
الجزيرة يا معاشر السادة أبناء الوطن وبناته من دون فرز يصنعه التحزب والمعتقدات، تنزف اليوم دماً قانيا وتتعرض حرائرها للاغتصاب ومحاصيلها للسرقة وشيوخها وقبابها للزراية وأمهاتنا للإهانة والتقتيل بلا رحمة دونما ذنب جنوه بل للطرد من أرضهم في مشاهد تتفطر لها الأكباد وأخشي أن يكون ذلك دربة وتجربة لطردكم جميعاً من مناطقكم غداً ليهبوها لقوم آخرين! سيارات دفع رباعي يقودها الجن والتاتار والمغول وهولاكو؟تتداعي عليها تداعي الأكلة علي قصعتها بغبائن الله يعلم مصادرها وهي سلة غذاء السودان.
وبينما أشرقت شمس الأمل يوم استعاد الجيش والمقاومة الإذاعة مستودع الوجدان وشارة وحدة السودان التي أنعشت الروح وجلبت الفرح لقلوب الملايين بسحناتهم المختلفة ولكناتهم المتباينة شرقا وغربا وجنوبا في لوحة بديعة تضم الجميع ، ليس تحيزاً إلي فئة بل حفاوة بعودة الصوت الذي يجمع شتاتنا مبشرا بعودة السودان الذي كان وطنا واحدا.
واليوم وبعد انتعش الأمل في الفرح القريب بعودة الجزيرة ،يخيم علينا الحزن والإحباط بالذي يجري لأهلنا هناك ليتسرب من جديد طيف من الشك لكثرة وعود ببداية الزحف المقدس للتحرير ظلت تطلق منذ أن سقطت مدني بلا قتال!فلا نري إلا بلدات أخري تتساقط في أرجائها يقطنها حفدة أبطال شهداء في الحلاوين والشكاية وحاج عبدالله ، تسام الخسف والتهجير والمهانة وكأننا ننتظر إشارة التحرير او العطف والتعاطف أو الكف عن التهديد تأتي من وراء البحار هناك للمفارقة حيث تصنع المؤامرة!
تباين وتناقض تصريحات القابعين في مقصورة القيادة تزرع الخوف بأن السهام لا تصدر عن قوس واحدة! أما قيل إلي جانب حسن الظن أن سوءه تقية؟ هل انقطع سيل المطايا من السيارات التي تحمل المنايا من ليبيا والطيارات المرسلة من الإمارات وفي أحشائها القنابل والدانات والمسيرات صانعات الموت والدمار بل والمرتزقة ؟وهل كتب علينا أن نقضي بقية أعمارنا نحفل ونحتفل يومياً بكم سيرة قد ( جغمت) بينما الأرض تنشق كل يوم ببدائل لها تعوض عن فقدها ؟! ألا يجعل ذلك فعلنا و( حفرنا) مثل ساقية جحا؟ أيها القادة أروا الناس منكم ما تقر بهم أعينهم وتطمئن به قلوبهم معتمدين علي الله الواحد الأحد فوقت حسابات الحظوظ لم يحن بعد . وأنتم ونحن أبناء السودان جميعاً وبناته علينا نصرة الجزيرة بمقدرة كل منا ،بالعطاء وبالصدع بالحق بالقول والكتابة والدعاء وبأضعف الإيمان بألا يبرر الفعل القبيح بأهلنا فما له من مبرر فالحصة وطن والغاية الحفاظ عليه من الضياع ويا لعار الأبد لمن يؤتي من قبله !