توطئة:
( وجدت هذه المقالة بين مقتنياتي الورقية ولم أجدها بين ما نشر لي علي الأسافير ولعلي كتبتها قبل سنوات عديدة ربما في بداية الألفية الثالثة هذه نحوالعام الأول منها كما دلني السياق علي ذلك,ولعلها كانت مساهمة في بحث عن توطين تقانة المعلومات في السودان .وقد رأيت إعادة كتابتها رقمياً وفاء للعنوان وربما استهواني أيضاً النظر في المدي الذي بلغته تقانة المعلومات منذ ذلك الوقت و حتي اليوم ونحن نستشرف مرحلة جديدة منها أسموها, الذكاء الإصطناعي الذي يوشك أن يقلب الحياة رأساً علي عقب ويعصف بها كما عرفها الإنسان فيجعل منه من سيد يدير دفتها وفق ما يريد, إلي عبد ذليل للآلة تفاجؤه بالكوارث الطبيعية وغير الطبيعية وبالأحداث الجسام التي أصبحت عصية علي التوقعات والمستقبليات التي كانت وفقاً للعلوم يتم التنبؤ بها . نعم يكاد العالم يدلف إلي ما يعرف بنظرية البجعة السوداء حيث ينتظر ساكناً وجلاً حدوث ما لم يكن متوقعاً أن يكون! ويحلو للبعض تسميته بعالم ما بعد الإنسان.
كنت يوم أمس 17 يناير 2024 قد استمعت إلي فيديو في الفيسبوك لمذيع قناة سي ان ان كوبر آندرسون يعلن عن اكتشاف عقار مكمل يقضي علي ارتفاع ضغط الدم في دقائق ونهائيا لأنه يفتح كل العوائق في مسارات الدم في جسم الإنسان وسعره خمسة دولارات فقط! وجاء بعده طبيب القلب ومراسل القناة الطبي سانجي قوبطا ليؤكد ذلك ففعل! طلبت من ابني البحث عن العقار المكمل السحري. بعد دقائق جاءني والحسرة في عينيه: ذلك فيديو مزيف! قلت كيف وهو بالصورة والصوت ؟! قال لي لغة الشفاه تقول شيئاً مختلفاً تماماً!).
____________
المقالة:
ودع السبد مايكل أليوت مدير تحرير المجلة المرموقة والمعروفة “نيوزويك انترناشيونال” قراء المجلة منتقلاً منها إلي العمل كرئيس لتحرير مجلة إلكترونية تعمل في فضاءات الإنترنت. لم يفوت الصحافي الحاذق فرصة هذا الانتقال التاريخي من عالم الصحافة المكتوبة إلي عالم الصحافة المكتوبة والمشاهدة معاً عبر الحاسوب دون الاشارة إلي أعظم نتائج هذا الإنتقال الإلكتروني وهو العولمة. فالعولمة هي المولود الشرعي لثورة تقانة المعلومات والتي يرمز لها بالحرفين الرومانيين ( بالكوبيتال) IT
وللآثار المترتبة علي وليدها الشرعي وهو ما يعبر عنه ب (الفاصل التقاني) وهي ترجمة موضوعية لعبارة Digital Divide الذي يفصل بين من يتمتعون بمزايا الصلة والإتصال بشبكات الانترنت وبين المحرومين منها في البلد الواحد وعلي نطاق المعمورة أيضاً.
ولك أن تتصور أن إنتقال السيد مايكل إليوت من مجلة تكتب علي الورق إلي مجلة تكتب إليكترونيا علي شاشات الحاسوب يعني فيما يعني أنه قد نجح شخصياً في الإنتقال بسهوبة ويسرمن عالم القرن العشرين إلي العالم الإلكتروني , عالم تقانة المعلومات IT .وهو بالتالي قد نجح وفق نظرية التطور علي الأقل, في البقاء لأن البقاء وفق تلك النظرية للأصلح! ولا بد أن تترك تلك الحقيقة, حقيقة نجاحه الشخصي, آثارها علي رؤاه حول العولمة . ولا بد لك وأنت تراه وهو يعيش مزاياها أن يرى من محاسنها ما لا تراه أنت في إفريقيا جنوب الصحراء حيث يتمتع أقل من واحد في المائة من سكانها بنعمة الوصول إلي عوالم الإنترنت الفسيحة. لذلك جعل السيد إليوت عنوان مقالته. “العولمة تصلح لك: Globalization is Good for You
وحتي لا يبدو وكأنه ينطلق من قاعدة ذاتية في دعواه المحابية للعولمة استعان بكتابين جديدين تحت الطبع ينحيان منحاه في القول بصلاح العولمة للناس أجمعين.
يحمل الكتاب الأول عنواناً متفائلا بمستقبل زاهر للعالم تصنعه العولمة ,A Future Perfect للمؤلفين, جون ميكلوثيت ووأدريان ولدريج وهما بريطانيان ترعرعا في كنف الاقتصاد السياسي للقرن التاسع عشر المتزمت في اعتقاده بخيرية إقتصاد السوق في خلق الرفاه للكافة وفق قاعدة (دعه يعمل دعه يمر). ومن هذه القاعدة ينطلقان في نظرتهما للعولمة باعتبارها ناتجاً طبيعياً للاقتصاد الرأسمالي وأنها بهذه الصفة تؤدي لإتساع دائرة الرخاء واتاحة المزيد من الفرص وبالتالي المزيد من الحرية للانسان.
أما الكتاب الثاني,The Global Soul أو “الروح العالمية” إن دقت الترجمة وأصابت عين ما عناه الكاتب البريطاني لأبوين أصلهما من الهند, يعيش حالياً في اليابان وقد عاش طرفاً من حياته في الولايات المتحدة الأمريكية وهو بهذا السجل ممن تصدق عليه تسمية “بدو العولمة The Global Nomadsوهو يرى في العولمة مطية لتحقيق أحلامنا والانعتاق من قيود المكان والمألوف ومتعة أن نغيب في عوالم لا شخصية حيث لا يعيرنا أحد اهتماماً. ويتحقق ذلك الحلم فقط بأن تصعد إلي متن طائرة نفاثة تنقلك في سرعة خاطفة إلي دنيوات أخر تأخذ بلبك فيها أنواع من الأطعمة والطقوس بهية الألوان!
تبدو لي أحلام السيد بيكو لاير الهندي المحتد أشواقاً(عالمثالثية) كما يحلواللأشقاء في المغرب العربي القول ,في العالم (الباهي) المزدان وأن نسري في بحاره كمثل النسيم دون أن يضايق وجودنا فيها أحد.
ويعترف السيد إليوت أنه صديق للمؤلفين الثلاثة وقد جمعته بهم مائدة عشاء ضمن آخرين كان موضوع النقاش فيها فكرة هذين الكتابين: في عالم السفر في الطائرات النفاثة وعالم الانترنت وحيث ينتشر أفراد أسرنا وأصدقاؤنا في كل مكان في المعمورة ونتساءل عندئذ لأي بقعة من العالم ننتم نحن وما معني الوطن إذن؟
يقول كاتب المقالة إن المؤلفين لا يغفلون آلام المخاض المصاحبة للعولمة التي قد تلحق الضرر بفقراء في بلد كالبرازيل مثلما تفعل بعمال صناعة السيارات في البلد رقم واحد في العالم وهو الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنهم لا يرون في العولمة قدراً محتوماً لا راد له ولا حيلة للبشر سوي التأقلم عليه والتعايش معه لكنها علي العكس من ذلك ووفقاً للتجربة العملية, اضطراد وزيادة ما يجل عن الحصر والإحصاء من ملايين العمليات والإداءات التي يقوم بها اناس تمكنوا من الاستفادة من فرص أتاحها تقدم التقانة الذي قلص من سعة كوكب الأرض بوسائل نقل عظيمة السرعة ووسائل اتصال اختزلت الزمن إلي أقل من الثانية! وخلص المشاركون في ذلك اللقاء إلي أنه يثري إنسانيتنا أن نتناول ألوانا جديدة من الإطعمة أو نشجع ابطالاً رياضيين ينتمون إلي أمكنة بعيدة أو أن نزور مدناً أو قري كانت لجيل واحد مضي تبدو كما لو أنها في الركن القصي من القمرأو أن نفهم علي الأقل معتقدات غريبة علينا.
وعلي ايقاع هذا السياق فإن العولمة-ةفيما يري هؤلاء- لا ينبغي أن تكون مصدراً للقلق والقنوط بل ينبغي أن تكون محفزاً ودافعاً للسعادة والإبتهاج. إنها الخير العميم الذي سيحل بجميع الساحات قريباً.
وقد قام البروفسور (جاقديش باقواتي) من جامعة كولمبيا باستعراض الكتاب الأول A Future Perfect
في دورية شؤون دولية عدد يوليو/ أغسطس 2000 بعد صدوره مؤخراً( كنت قد شرعت في كتابة هذه المقالة والكتاب تحت الطبع فصرفتني عن اكمال المقالة صوارف عندئذ)
وقد أثني البروف علي الكتاب ثناء عظيما لأنه -ف رأيه- غاص عميقاً في موضوع العولمة ولم يقف عند قشورها الخارجية ولا علي الأعراض السالبة المصاحبة لميلادها بل تصدي بجسارة لمنتقديها المتخوفين من مقدمها.
ولقد حاولت بعقل مفتوح وعاطفة باردة,الإصغاء لتفنيد الكاتبين للمقولات المعارضة للعولمة ولعله من المفيد أن أستعرض ذلك قبل التعليق عليه:
– ينفيان حتمية وقوع العولمة ويقولان إنها ظاهرة يمكن إبطاء مسارها وعرقلة تطورها وقد وقع ذلك في النصف الأول من القرن العشرين عندما تصدت القيادات السياسية والفكرية في العالم الثالث لفكرة دمج اقتصاداتها في الاقتصاد العالمي باعتبارأن ذلك يؤدي إلي “تفكيك الكيانات الوطنية القائمة” أي تصدع وزوال الخصوصيات القطرية لصالح الشركات متعدية الجنسيات. ويقرران ضرورة عدم السماح بتعويق مسيرة العولمة مع النظر الجاد في محاصرة عيوبها ومعالجة سلبياتها.
– يقولان إن الحلف العريض المتعدد الألوان الذي يقود دفة الحملة ضد العولمة يتكون في مجمله من مواطنين ينتمون للطبقة الوسطي في الدول الغنية ومعظمهم من البيض وأنه بينما ندم مثقفو العالم الثالث علي تفويت فرصة قبول العولمة بعد الحرب العالمية الثانية فإن المعارضين الجدد من العالم الأول ينشطون في حملة مسعورة ضد العولمة يحرك بعضهم جهل فاضح بماهية العولمة وربما تحرك بعضهم مخاوفهم من تدفق فقراء من العالم الفقيرعلي بلدانهم. وبالجملة فإن انشغالات رواد الحملة المناوئة للعولمة تعد شديدة الاطراب والتباين بحيث أنه لو جلس فرد علي لوحة مفاتيح جهاز حاسوب وعبث عشوائيا لألف مؤلفاً أكثر اتساقاً.
وتعليقي علي مرافعة المؤلفين في الدفاع عن العولمة أنها لا تخرج عن موقف المحافظين في الرأسماليات الغربية المعارضة لوضع أي كوابح لإعاقة الحرية المطلقة لآليات السوق علي اعتبار أن الرخاء الاقتصادي الذي ينجم عن ذلك يجني ثماره الجميع فقراء وميسورون. ولما كانت العولمة في تطور الاقتصاد الرأسمالي فإن الرخاء الذي ستحققه سيكون في مصلحة الجميع وأن الآلام المصاحبة لذلك محتملة وهي بمثابة آلام المخاض. لكن يبدو أن ما حدث من احتجاجات عنيفة في سياتل وا تبعه بعد ذلك بشهور في واشنطن وبعد ذلك في استراليا وأوروبا علي هامش اجتماعات الكبار في العالم , يعبر عن احساس متعاظم بالخطرمن آثار عولمة الاقتصاد علي فقراء العالم في كل مكان. وقد نبهت تلك الاحتجاجات المشار اليها كتابا مرموقين علي مستوي العالم إلي ضرورة إجراء المزيد من البحث العميق في آثار العولمة الإقتصادية علي العالم.
وقد كتب مايكل هيرش في العدد الخاص لمجلة نيوزويك عن قضايا عام 2001 الذي صدر قبل أيام إلي أن الحماسة لخصصة القطاع العام التي بلغت أوجها في عقد التسعينيات عقيب سقوط المعسكر الاشتراكي باعتبارها الحل السحري لعلل الاقتصاد في كل مكان والمطية المناسبة لمنازلة الفقر والبطالة والبؤس, قد خبا أوارها مؤخرا وذهب بعض بريقها لأن الأرباح الخرافية التي تكدست لدي الشركات الكبري خلال هذا العقد لم تساهم ولو بقدر ضئيل في حل مشكلات الفقر العويصة في العالم الفقير فبينما بلغت ثروة مائتي بليونير ما يربو علي تريليون دينار عام 1999لا يزال دخل الفرد اليومي في البلدان الأقل نمواً( عددهم 582 مليون نسمة) أقل من دولار واحد في اليوم لذلك يقول (مايكل هيرش) إن الشعار المطروح حالياً هو تعميم أو اشاعة خير القطاع الخاص عبر الهبات والصدقات التي يقدمها أصحاب البلايين وتعبر عن ذلك كلمة PUBLICIZE الإنقليزية التي تعني فيما تعني تعميم أو إشاعة ويراد هنا إشاعة خير القطاع الخاص.
وواضحة هنا المقابلة بين كلمة تخصيص ما هو عامPrivatization وكلمة Publicization فكلمةPublicize تحمل ظلال الدعاية أو العلاقات العامة PR وهذا معني سالب جداً يحمل معني إشاعة الخير وتعميمه بغرض استغفال الناس بالدعاية والظهور لا بتغيير حقيقي في طبائع الأمور. وضرب لذلك مثلاً بتحول السيد بيل قيت صاحب شركة مايكروسوفت العالمية من مؤمن متزمت بأن التوسع الإقتصادي وحده سيحول طبيعة العالم ويضمن استقراره ورفاهيته إلي أكبر متصدق علي الفقراء وعلي القضايا الإنسانية. وذلك يعني أنه اكتشف من واقع التجربة أن زيادة أرباحهه ومضاعفة بلايينه لن تحل مشكلات الفقر في العالم بل قد تفاقمها وبعبارات الإقتصادي البيروفي ,هيرناندو دو سوتو“ سر رأس المال”The Mystery of Capital فإن العولمة الأقتصادية هي “الفصل الرأسمالي” Capitalist Apartheidعلي زنة الفصل العنصري Racial Apartheid إذ أن خمس أسداس سكان العالم قد حرموا من خيرات العولمة ورغم أن أريحية بيل قيتس تستحق الثناء إلا أن مشكلات العولمة إذا كانت ستزيد الهوة بين الفقراء والأغنياء إتساعاً علي النحو الذي أشار إليه الكتاب, لا ينبغي أن يترك علاجها إلي “طيبة قلوب” أصحاب البلايين وحسن نواياهم أو ما أسماه الكاتب Noblesse Oblige فدمعة الراحم كإبتسامة الساخر كما يقول المنفلوطي, بل لابد من تدابيردولية تضمن حقوق ومصالح غالب أهل الأرض.
وإلي أن يتحقق ذلك لابد للدول النامية من تدابير عملية لحماية مصالحها. ولأن عولمة الإقتصاد مرتبطة ارتباطا وثيقاً بالطفرات الهائلة غير المحسوبة لثورة تقانة المعلومات وما يمكن تسميته ب ” البجعة السوداء” فإنه من الصعوبة بمكان أن تواكب التدابير القانونية والأجرائية وتيرة العولمة السريعة. قال وزير المالية الياباني في قمة الدول الصناعية الأخيرة في أوكيناو”إن أحداً لم يشر لكلمة تقانة المعلومات IT بكلمة واحدة خلال قمة الثمانية الماضية في كولون بألمانيا عام 1999م لكنها أصبحت بنداً رئيسا في مؤتمر هذا العام 2000م! بل إن القمة أصدرت ملحقاً خاصاً بها! وعزا سبب العافية التي سرت في الإقتصاد الأمريكي إلي تفوق الولايات المتحدة في مجال تقانة المعلومات. وفي ضؤ ذلك وضعت خطة يبدأ تنفيذها في العام 2001 إلي جعل اليابان الدولة الأولي في هذا المجال خلال خمس سنوات.
والشاهد فيما ذكرنا من تسارع وتيرة العولمة الإقتصادية عبر اتساع دائرة التجارة الإلكترونية عن طريق شبكات الانترنت يجعل من العسيراحتواء آثار العولمة الإقتصادية السالبة عبر إجراءات حمائية. ما الحل إذن؟
لقد بسط كاتب هذه السطورآراء حول تدابير التصدي للعولمة في أبعادها الثقافية والإجتماعية السالبة علي ثقافتنا ونسيجنا الإجتماعي في غير هذه المقالة. ولكيفية التصدي لآثار العولمة الإقتصادية , فإني أري أن دولة في العالم الثالث قد ضربت مثلاً بليغاً لذلك هي الهند. وذلك بإتقانها لتقانة المعلومات فمدينة “بانقلور”الهندية ” أصبحت مرادفاً في الصقة لمنطقة “سيلكون فالي” في كاليفورنيا بأمريكا في عالم تقانة المعلومات وتشير الاحصائيات إلي أن ربع العدد الكلي للمختصين في تقانة المعلومات في سيلكون فالي من الهنود.
ونحسب أن شركة سوداتل للاتصالات قد وضعت أساساً طيباً يصلح قاعدة لتوطين هذه التقانة في السودان وجعل السودان مركزاً لنشرها في محيطه الإفريقي والعربي وقاعدة تطوي بها المراحل أيضاً للحاق بركب العالم الأول. فهل تحشد الدولة الطاقات كافة لوضع خطة سريعة ومحكمة تحقق هذا الهدف؟ إن الأمر جد لا هزل فيه وإن تقانة المعلومات تعد نعمة ساقها الله للمعذبين في الارض ليقفزوا بها فوق جراحات المسغبة إلي العيش الكريم. فهلا أمسكنا بخطامها واقتحمنا بها مجاهيل المستقبل؟!
والخوض في تفاصيل مثل هذه الخطة هو شأن المختصين لكننا نري أن تعمد الدولة إلي تشكيل لجنة تضم مسؤولين في الدولة وخبراء في ميادين الحاسوب والإتصالات ولفيف من رجال المال والأعمال وأساتذة الجامعات يعهد إليها ببحث هذا الأمر واقتراح الوسائل المناسبة لإنفاذه. ولعل الإستفادة من القاعدة الطيبة التي حققتها سوداتل في مجال الإتصالات تمكن من مهمة ربط الجامعات ومعاهد العلم في كافة أنحاء البلاد بشبكات الإنترنت في العالم وجعل المعرفة العامة غير المتخصصة باستخدام الحاسوب مادة اجبارية في كافة التخصصات وتيسيرالوسائل للقطاع الخاص لنشر مقاهي الإنترنت في الأحياء السكنية في المدن المختلفة في البلاد لزيادة مقاعد الدراسة في مجال تقانة المعلومات والحاسوب لتخريج أعداد مقدرة من المهندسين والفنيين في هذه المجالات. مثل هذه التدابير من شأنها أن تمهد الطريق للشروع في وقت لاحق لإدخال صناعة قطع أجهزة الحاسوب أو ما يعرف بال Hard-ware ثم عمل البرامج بما يعرف بال Soft-ware ومتعلقات ذلك كله. وعلي هذا النحو خطت الهند خطوات مقدرة وكسبت احترام العالم وأضافت بلايين من الدولارات لدخلها القومي. ويقول كاتب نيويورك تايمز توماس فريدمان المختص في شؤون العولمة عن إيجابيات معرفة هذه التقانة ,وقد بسطنا آنفاً سلبياتها: إن امتلاك ناصية تقانة المعلومات قد أدخلت أعدادا كبيرة في الهند والصين والبرازيل في زمرة الطبقة الوسطي أكثرمن أي زمان مضي.
إننا مطالبون عوضاً عن البكائيات والشكاية من آثار العولمة الإقتصادية أن نقتحم وبثقة حماها بالسعي نحو تمكين جيل من الشباب والشابات من الإنتقال عبر تقانة المعلومات إلي العصر الرقمي عصر اختزال الزمن والمسافات معاً.
——————
أرأيتم كم كانت أحلامنا كبيرة قبل عقود قليلة خلت ؟ وكيف تبددت كما يتبدد الحلم الجميل ؟ كنا أغراراً يوم سكبنا ما نحمل من ماء طمعاً في خضم السراب الرقراق ,فضاعت منا حتي أكواخنا الفقيرة وأخذت منا عنوة من قبل أغراب سطوا علي بلادنا ,جاءوا كما الطاعون والجدري والسحايا بلا استئذان أصدق من الكابوس فالكابوس حده الصحيان. أخترع الناس كناية لقاصر علمهم بما حسبوه لا يقع ولا يكون لكنه يحل بساحتهم رغم تلك القناعة الراسخة فأسموا تلك الخيبة ,” نظرية البجعة السوداء “. والبجعة طائر مائي من قبيل البط والأوز أكبر حجما منها . وكان العالم قدعرفها باللون الأبيض فقط ولم يتصور وجودها بلون غيره في العالم المعمور حتي وجدها رجل هولندي في القرن السابع عشر الميلادي بلون حالك السواد في غرب استراليا فكان ذلك حدثا صنع الدهشة في العالم وفغرت له الأفواه فجعلوا ذلك عنوانا لكل غير متصور وجوده او حدوثه ثم يتحقق وجوده بعد أوحدوثه , بالبجعة السوداء! لم يكن ماحدث بوقوع هذه الحرب منذ أشهر خلت مستبعداً لكن الفظاعة التي صاحبته والدمار الذي تبعه كالتقتيل والإغتصاب وحرق المكتبات والجامعات والعنف اللفظي الحاقد فيها كان هو البجعة السوداء! هل نفيق من هول الفاجعة ونشمر السواعد للعودة واستئناف البناء وتحقيق الغايات أم نبقي بلا وطن ذلك هو المخرج المرجو. قالت العرب قديماً :عند الصباح يحمد القوم السري!