فى ظل الاآتشافات العلمية المتلاحقة وما ترتب علي تطبيقاتها فى المجالات الصناعية, تنبأ الكثيرون عند بداية القرن العشرين بموت الدين وخروجه من حياة الناس لما ظنوا بأن قيمته آانت آامنة فى تفسييره للظواهر الكونية على طريقته فى غياب العلم الحقيقى الذي يستند على الملاحظة بل والتجارب الحسية المشاهدة والملموسة. وعليه فتفسير العلم الحديث للظواهر واآتشافه للقوانين المسببة لها قد نسخ مهمة الدين الى الابد فلم تعد هناك حاجة اليه. لكن الواقع المعاش فى عالم اليوم قد أبان سطحية تلك التوقعات وسذاجتها معا وأثبت أن الدين ظل يلعب الدور الذى ظل يلعبه على مدار التاريخ باعتباره حاجة وجدانية خالصة تفسر ما لاتفسره العلوم العقلية أو التطبيقية مثل الموت والمرض وفقدان الأحبة اذ تملك العقائد الدينية قوة آسرة على تمكين الانسان من تجاوز صدمات فقدان الأعزاء بالمرض والموت والمظالم التى لا تحسمها القوانين وم ا يبدو أحيانا من تفاوت عبثى بين قدرات الناس وحظوظ ما يجدونه فى الحياة مما لايتناسب مع تلك القدرات.ولقد تمنى الدآتور أمين معلوف فى آتابه الذى وجد رواجا وحفاوة فى الغرب ( باسم الهوية : العنف والحاجة الى الانتماء) أن ينحصر دور الدين فى هذا الجانب الوجدانى دون غيره وأن يفك (بضم الياء) الارتباط بينه وبين الهوية درأ لوقوع العنف والكراهية باسمه مؤآدا أن الحاجة الى الدين فى هذا الجانب حاجة أبدية لا ترتبط بحرآة التاريخ ولا بالتطوير الذى يحدثه الانسان على ظهر المعمورة. لكن يبدو أن الدين أدخل فى حياة الناس – آل الناس- فى المجتمعات المتقدمة جدا وتلك التى مازالت فى بدايات طرق التنمية مما هو متصور. والراصد للاصدارات الغربية من مجلات وآتب وصحف يجد أن ظاهرة انبعاث المشاعر الدينية قد شغلت حيزا مقدرا فى تلك الاصدارات خلال العقد الحالى من القرن الحادى والعشرين. وقد أدى تنام دور اليمين الدينى فى الولايات المتحدة فى التأثير على سياست الولايات المتحدة الداخلية والخارجية على السواء الى استقطاب حاد فى المجتمع الأمريكى أدى الى صدور العديد من الكتب المادحة والقادحة فى تلك الظاهرة أجج ذلك أآثر حصة الكنائس الافانجليكية فى ذلك التأثير.( الكنائس الافانجيليكية اسم جامع يشمل الكنائس التى يؤمن أتباعه ا بضرورة السعى الى ادخال غير المسيحيين فى الديانة المسيحية. لكن بين هؤلاء معتدلون ومتطرفون وفيهم أصوليون يؤمنون بحرفية الكتاب المقدس ولا يقبلون تأويل تعاليمه ومنهم أولئك الذين يدعمون اسرائيل دعما لامحدودا على اعتبار أن قيام اسرائيل وبقاءها لازمة ضرورية لعودة السيد المسي ح الثانية.) ولقد آانت الانتخابات الرئاسية الأخيرة فى الولايات المتحدة من أظهر الدلائل على الاستقطاب الذى أشرنا اليه فقد لعبت الكنائس الافنجاليكية دورا رئيسيا فى حث الناس على الخروج الى مراآز الاقتراع للتصويت لمرشحى الحزب الجمهورى المحافظين المناوئين للاجهاض ولزواج المثليين والذى آان قد بدأ التصريح به فى بعض ولايات الشمال الغربى والساحل الغربى وهى جهات تمثل مجتمعات ما بعد الحداثة الليبرالية وهى معاقل للحزب الديمقراطى. وآانت رسالة الكنائس لأتباعها هى أوقفوا هذا الخطر الداهم على قيم الأسرة باسقاط مر شحى الحزب الديمقراطى الداعمين لتلك السياسات المعارضة للدين. ونجحت تلك الكنائس فى اجتياح مرشح الحزب الجمهورى الرئيس الحالى جورج دبليو بوش لجميع ولايات الجنوب الأمريكى دون استثناء وآذلك معظم ولايات الوسط بما ضمن له الفوز بالرئاسة. وعلى مستوى السياسة الخارجية للولايات المتحدة يجمع المراقبون أن اليمين الدينى قد لعب دورا آبيرا فى حث ادارة الرئيس بوش للمساهمة فى احلال السلام فى السودان. وسنفرد حيزا من هذه المقالة لظاهرة الانبعاث الدينى فى الولايات المتحدة وتأثيرات ذلك على السياسة والشؤون العامة ولعلنا نتحدث عن ذات الظاهرة فى أوروبا وآسيا مستعينين بمقالة الغلاف لمجلة نيوزويك للاسبوع المنتهى فى 13 نوفمبر 2006 . لكن يجدر بنا أن نشيرمثلا الى أن آثيرين من المتدينين مشفقون من تدخلات الكنائس الموصوفة آنفا فى شؤون السياسة فقد أصدر الرئيس جيمى آارتر آتابا بعنوان ” قيمنا المهددة بالانقراض” وهو آتاب ظل لأسابيع على قائمة أفضل مبيعات الكتب انتقد فيه تبنى ادارة بوش لطروحات اليمين الدينى محليا وعالميا رغم أن آنيسة الرئيس آارتر تعد من ضمن الكنائس الافانجليكية الا أنها آنيسة معتدلة انشقت فى الستينات عن أخرى رفضت عضوية السود. وهناك أيضا آتاب السناتور السابق جون دانفورث مبعوث الرئيس الأمريكى للسلام فى السودان وهو الى جانب عمله فى ادارة شرآة محاماة آبيرة فهو قس فى احدى آنائس مدينة سانت لويس( الكنيسة المشيخية) لكن آنيسته من آنائس ما يعرف بالخط العام وهى الكنائس ذات الامتدادات المعروفة فى العالم المسيحى( فى أوروبا وآندا وغيرها) آالكنائس المشيخية والكاثوليكية والمعمدانية وهى لا تعد ضمن الكنائس الافانجليكية. وتجدر الاشارة هنا الى أن معظم الكنائس الافانجيليكية آنائس تأسست فى الولايات المتحدة ولا توجد خارجها. اشتمل آتاب دانفورث على نقد قاس لليمين الدينى وتأثيره على السياسة الأمريكية واعتبر فى مقابلة له فى يوليو المنصرم فى برنامج (بانوراما) الذى يبث عبرتلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية , أن توصيف ما يجرى فى دارفورمن قبل الادارة الأمريكية بأنه ابادة جماعية آان بغرض ارضاء اليمين الدينى فى الولايات المتحدة.هناك أيضا آتابات من لا يعدون أنفسهم فى عداد المتدينين مثل وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت التى أصدرت آتابا فى ذات المحتوى ينتقد مسلك الادارة الجمهورية الحالية فى اقحام الدين فى السياسة . وفى ما يلى من سطور نشير الى النجاحات التى حققها اليمين الدينى فى ميدان السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة بما أملاه على الادارة وآذلك اخفاقاته فىكلا الميدانين آما وردت فى عدد ” نيوز ويك” المشار اليه .
قائمة النجاحات:
* تعيين القضاة: ويمثل ذلك قمة نجاحات اليمين الدينى اذ تمكن من دفع الادارة المحافظة أصلا لتعيين أثنين من القضاة المحافظين فى المحكمة العليا بما فيهم رئيس المحكمة نفسه بالاضافة الى تعيين 250 قاض فدرالى فى مستويات أخرى ويمثل العدد ربع القضاة الفدراليين وهذا تعيين يستمر مدى الحياة لا ينهيه الا الموت أو الاستقالة الطوعية. ومناط بهؤلاء القضاة تفسير دستورية القوانين والأحكام فى قضايا الاجهاض والشذوذ وزواج المثليين وأداء الصلوات فى المدارس الحكومية
ومشروعية تدريس نظرية الخلق الواردة فى الكتاب المقدس الى جانب نظرية النشؤ والارتقاء لشارلس دارون. ولما آان هؤلاء القضاة محافظين يشاطرون اليمين الدينى رؤاه فى هذه القضايا أو فى معظمها , لك أن تتصور عمق التأثير على مجمل الحياة فى أمريكا وعليك أيضا أن تتذآر أن المحكمة العليا التى آان رئيسها السابق محسوبا على المحافظين هى التى حسمت الخلاف حول الرئاسيات عام 2000 ومنحت الفوز للرئيس الحالى جورج دبليو بوش.
* الاجهاض: نجح اليمين الدينى نجاحا جزئيا فى منع نوع من أنواع الاجهاض المسمى ب ” اجهاض الولادة الجزئية” عبر قانون أجازه الكونقرس وهو الذى يجرى وقد دخل الحمل مراحل متقدمة تخلق
فيها الجنين فى رحم الأم, ولم ينجح بعد فى الغاء القانون المعروف الذى يسمح بالاجهاض فى المراحل الأولى للحمل والذى لا يزال ساريا .
* منع استخدام خلايا الأجنة الحية لأغراض البحث العلمى لعلاج تلف العمود الفقرى لعلاج الشلل وآذلك لعلاج أمراض الشلل الارتعاشى والزايمر والسكرى على اعتبار الأجنة رغم آونها تعد سقط ا
الا أنها ناتجة عن الاجهاض الذى يراه المحافظون ازهاقا للروح وهو محرم.وآان الليبراليون الساعون للسماح بذلك قد استعانوا فى حملاتهم بمشاهير يعانون من أمراض الزايمر والبارآنسون
مثل الممثل الشاب الذائع الصيت مايكل جى فوآس والممثل الراحل آريستوفر ريف الذى آان يمثل شخصية (سوبرمان) فى أفلام الأطفال وآان قد أصابه الشلل جراء سقوطه من على ظهر حصان. . ويقينى أن هذا الأمر سيكون واحدا من قضايا رئاسيات وتشريعيات عام 2008
* منع زواج الشواذ والشاذات جنسيا اذ نجحت ضغوط اليمين الدينى على مجالس الولايات الأخرى التى لم تكن قد صوتت عليه بعدم اصدار تشريعات تجيزه وقد تقدمت الاشارة الى ذلك.
* فى السياسة الخارجية أشارت المجلة الى السلام فى السودان آواحد من نجاحات اليمين الدينى آم ا ورد آنفا بالاضافة الى حمل الادارة على مساعدة افريقيا فى التصدى للمجاعات والأيدز دعما لعمل الارساليت والمنظمات فيها . وآان رئيس لجنة العلاقات الخارجية الأسبق فى مجلس الشيوخ ( جيسى هلمز) وهو من غلاة المحافظين قد حول الأموال المخصصة للعون الانسانى الخارجى الى المنظمات الدينية لتتولى توزيعه بمعرفتها مثل منظمة ( محفظة السامرى) التى يترأسها القس( فرانك جرام) الذى زار السودان قبل نحو عامين.
عودة الى حديث الدين والسياسة! 3-1
0