وما نعنى بالأهرام الا أهراماتنا الجميلة فى مروى القديمة عند قرية البجراوية فى ولاية نهر النيل وتلك الصامدة عند سفح الجبل فى البركل فى مروى الحديثة ذلكم الجبل الذى يبدوكصخرة عظيمة سقطت من السماء حادة الجنبات كأنما اجتثت من سلسلة فخيمة هناك ترى على بعد أميال عديدة من المكان, وتلك القابعة أيضا على الضفة المقابلة لنهر النيل فى حراسة نورى موطن الحدائق الزاهية ذات البهجة.وكنت قبل عام ونيف قد اصطحبت سفراء الدول الغربية الى تلك التى فى البركل ونورى. أشار سفير بولندا الى أن لبلاده بعثة تعمل فى مجال الآثار فى المنطقة منذ ستينيات القرن الماضى والتزم سفير أسبانيا السابق بتلبية كل طلب فى هذا المجال يبنما اصطحبنا ممثل ايطاليا الى بعثة كانت تعمل بهمة ونشاط فى الفضاء الفسيح الممتد شرق الجبل فى اتجاه مدينة كريمة وهناك حدثنا رجال ونساء اغبرت وجوههم من عمليات الحفر مشيرين الى ما يشبه أحواض الحمامات (البانيو) بأنها بالفعل أحواض حمامات كانت مخصصة لملكات وأميرات مملكة نبتة التى امتدت حتى أرض فلسطين والتى ذكرها العهد القديم من الانجيل وعرفها بمملكة كوش فتأملواواعلمواأن جداتكم ملكات النيل كن يستحممن فى حواض مثل المستخدمة فى هذا العصر الحديث ومنذ متى؟ منذ آلاف السنين. وكانوا منذ حين قد اكتشفوا سريرا فى كرمة قيل أن قدماءنا كانوا ينامون عليه ذلك أيضا منذ آلاف السنين. ورأينا على صخرة من الجرانيت كتابة هيلوقروفية – قبل أن يستقل النوبة بحروف خاصة بهم-عبارة للملك تهراقا يمجد فيها نفسه. والنقش بديع محكم مثل الذى تجده الآن عنوانا لشركات وفنادق عالمية غاية فى الاتقان وكأنه نقش على زجاج. قال الشاب و الدليل السياحى معلقا على عبارات تهراقا الطنانة ” انه كان سفيانيا يحب الفخر!”.عجبت وأنا أتأمل معبد آمون رع الذى كان من أعاجيب الدنيا وعلى مدخله تماثيل رائعة برؤوس خراف كيف ظل حطاما لالاف السنين منذ أن خربه خلفاء الأسر التالية قادمين من شمال الوادى, كيف لم نسع الى اعادة بنائه وكنت قد رأيت اعادة لبنائه على الحاسوب من صنع أحد المختصين فى علم الآثار فى جامعة بوسطن فبدأ ضخما فخما عظيما قمين بمثله أن يجلب السياح من كل فج عميق. وهالنا ما رأينا من الاهمال هناك اذ وجدنا عددا من تلاميذ المدارس من المنطقة المجاورة يجوبون منطقة الآثار بكل حرية بل ويصعدون الى أعلى الهرم يسجلون نقشا على الصخر أسماءهم تخليدا لذكراهم لتبقى مابقى الهرم دون أن يدركوا أن صنيعهم انما يقصر عمره ويعجل بسقوطه. عبر عن ذلك شباب وكهول يعملون فى رعاية هذه الآثار والتقينا بالأجلاء عميد كلية الآثار فوجدنا فيهم حرصا وادراكا عميقا لضرورة الحفاظ على هذاالميراث التاريخى العظيم واشفاقا مثل اشفاقنا على ضياعه لكنهم شكوا قلة الموارد اللازمة لقيامهم بما يلزم.وقد لاحظنا أنه الى الجنوب من الأهرامات الخمسة الواقعة غرب البركل وكذلك جنوب بلدة نورى أهرامات استحالت الى أكوام من الصخور والتراب تنبىء بأن مصير تلك الواقفة حاليا لن يكون أفضل من مصير تلك ان لم تتدارك الدولة هذا القصور الشائن فتحيط هذه الآثار بسياجات من الأسلاك الشائكة وتخصص حراسة جادة لها وانى أتمنى على مصلحة الآثار ومحافظة مروى وقد توفرت الكهرباءمن سد مروىأن تضاءهذه المنطقة ليلا مثلما هو الحال بالنسبة لأهرامات الجيزة فى مصر وماذا لو أقاموا متحفا فى الفضاء المسور الذى قيل أنه كان يضم رئاسة حكومة مملكة نبته فى مدينة مروى. ويمكن أن تخصص أياما بعينها لزيارة تلاميذ المدارس فى المنطقة على أن يمنع بتاتا الصعود على الأهرامات حفاظا عليهاكذلك الكتابة عليها. وأعجب كثيرا لغياب أى ذكر أو صور لأهراماتنا فى كتب تأريخنا التى تدرس لتلاميذنا؟! لقد عرفنا بوجود هذه الأهرامات قبل نحو عقدين لا أكثر. يجب أن نزود مقررات التاريخ التى تؤرخ لممالك النوبة بالصور والشروح اللازمة وأن تنظم الرحلات المدرسية من شتى بقاع السودان لتلك المناطق بغرض ترسيخ التربية الوطنية لدى الناشئةذلك كفيل ببث ثقة فى النفس فالذى يعرف أن أسلافه صهروا الحديد قبل آلاف السنين وعرفوا الاسترخاء على الأسرة والاستحمام فى(البانيو) وأكثر البشر يومئذ حفاة عراة, يدرك بأنه يستند الى ارث تليد ولا يعجزه استئناف صناعة تاريخ مجيد أبلج.وفى عيد الأضحى المنصرم عدنا الى البركل مجددا ووجدنا عند الأهرامات غربيين رجالا ونساء جاءوا للسياحة يجهدون ( الكميرات) فى أخذ الصور للأهرامات الجميلة المزخرفة الأركان ثم يصورون تلك التى درست وكأنما يربطون مصير هذه بتلك. ثم توجهنا الى الكرو ملبين دعوة من صديق كريم أتاحت لنا زيارة مدافن فراعنتنا فى الكرو ودخلنا عبر (الدرج) فى صحبة الدليل السياحى الى داخل المقبرة فشاهدنا عجبا! نقوش بألوان زاهية لملوك النيل ألوان ظلت رغم كر الأيام والسنين. والنقوش تحكى كيف يموت الملك وكيف تحمله الملائكة لساحة الحساب ثم ينتهى به المطاف الى النعيم. لكن أكثر ما شد انتباهنا النقوش الجذابة على سقف المقبرة والتى تبدو وكأنها نقشت البارحة فقط حتى ان حسناء كانت زائرة هتفت مستنكرة داعمة استنكارها بيمين مغلظة بأ ن ذلك النقش لا يمكن أن يكون الا حديثا شديد الحداثة ويستحيل أن يكون هناك مذ آلاف السنين!لم تنته دهشتنا هنا فقد أخذونا الى خارج البلدة الى ( الحدائق المتجمدة) حيث وقفنا على أعاجيب جديدة! جذوع أشجار ضخمة ليس مما عهده الناس فى المنطقة بل كتلك التى تجدها فى مناخات غرب أوروبا تحجرت تماما لا تصدق أنها أشجار الا عندما تعبث بها متيقنا أنها كذلك وهكذا تأخذ أنت قطعة من أحشائها وآخذ أنا حتى تصبح بعد حين أثرا بعد عين. وقد ذكر لى أحد مضيفينا أنه والى وقت قريب كانت هناك فاكهة متحجرة ظل الناس يأخذونها حتى فنيت. ذكرت قصة هذه الحدائق المتحجرة لصديق فذكر لى أن قريبة له تعمل فى الجمارك ذكرت له أن أكثر ما يستعيدونه من السواح هو ما يأتون به من حدائق متحجرة وأن أحدهم غالب البكاء حين أخذت منه قائلا: ” هذه أموال طائلة فى الخارج.”وآخر الأمنيات أن نخصص وزارة اتحادية للآثار بمخصصات معلومة تهدف فى مدى زمنى محدد الى حراسة أفضل وسياجات للآثار والعمل على اعادة بناء معبد آمون واعادة الجسم المتلألىء فى نتؤ جبل البركل والذى كان تمثالا شبيه بتمثال الحرية لملكة نوبية تحمل كرة من معدن لألآ يشع ضياء فى كل المنطقة عند شروق الشمس وعند غروبها والعمل على اعادة بناء سواكن القديمة ولدى الأتراك الاستعداد لذلك فيما علمنا. والآن لمروى مطار دولى بالامكان تسيير رحلات سياحية فى الشتاء من أوروبا وأمريكا ويمكن اعادة الحياة لمرسى كريمة النهرى بتنظيم رحلات نيلية تبدأ فى كريمة مرورا بنورى ثم الكرو فدنقلا العجوز حتى كرمة شبيها برحلات السواح عند أسوان. هذه السياحة الآثارية فوق دورها فى تحسين صورة السودان والسودانى فى الخارج باعتباره صاحب قدم راسخة وسبق فى الحضارة الانسانية , سوف تدر مداخيل كفيلة بتغطية نفقات المحافظة على آثارنا.ولا يظنن ظان أن فى ذلك احياء للحضارة الوثنية فقد ذكر ( بتشديد الكاف) التنزيل الحكيم بآثار الأولين لأخذ العبر والدروس.
هذه الأهرام ماذا دهاها؟!
0