مصادر العنف فى الثقافة السودانية: كتاب الدكتور عبد الله على إبراهيم

شرفنى أيما تشريف الأستاذ الدكتور عبد الله على إبراهيم بكتابة مقدمة لكتابه هذا: ” مصادر العنف فى الثقافة السودانية” الذى بين أيديكم. ومصدر هذا التشريف كما رأيته , أن عبد الله أشهر من نار على علم كما قالت العرب قديماً , شهرة اكتسبها عن جدارة سعت إليه تجرجر أذيالها ولم يسع هو إليها عبر جهد اتصل لعقود طويلة بلغت ستاً هذا العام السابع عشر من الألفية الثالثة للميلاد, نسأل الله أن يبارك فى عمره وأن يمتعه بالصحة الدائمة.
, ويحمد للأستاذ الدكتور عبد الله أنه لم يحصرجهده فى أقبية التخصص الدقيق الضيقة فى علوم التأريخ والفنون التقليدية (الفلكلور) وعلم الأناسى (آنثربولوجيا) كما يفعل كثيرون إيثاراً للسلامة وتفاديا للمجادلات العقيمة مع من يحصرون المعارف فى جوف المصطلحات الجامدة ويضيقون واسع المعارف التى ما انفكت يمسك بعضها برقاب بعض منذ الأزل, ولكنه انداح إنطلاقاً من هناك إلى عوالم المعارف كافة المتصلة بالحياة والمجتمع فى السودان دون أن يصبح جهده خبط عشواء وحطابة ليل بلا قيد. ذلك جعله محط احترام الكثيرين من ذوى الإهتمامات المتباينة والرؤى المختلفة تسامياً فوق ضيق الإيدولوجيات والإنتماءات السياسية وهى علل لازالت تحجب الرؤية وتعمى الأبصار عن وجدان الحقيقة والحق فى هذا الربع من عالم الإنسانية. والعالم النحرير الذى يتقن البحث ويلتمس الموضوعية هو وحده الذى يحظى بالإحترام ويجد آذانا صاغية مهيأة للإسهام فى الحوارات بغية الوصول إلى تفاهمات وأراض مشتركة تجمع الفرقاء على صعيد, وإن صغر مساحة ,قمن أن يقوم عليه بناء الوطن الذى يحتضن الجميع. وتلكم هى الغاية التى يجب أن يصبو إلى بلوغها كل مثقف جاد ألا تحجب قناعاته واختياراته فيما يكتب وما يقول عن قارئيه وسامعيه رؤي الحق والصواب مستقلة شاخصة بذاتها لا يخطؤها العقل السوى المتجرد.
والكتاب كان فى الأصل مقالات وبحوث أكاديمية نشرت فى الصحف السيارة أو فى دوريات محكمة راى المؤلف أن يجمعها بين دفتى كتاب واحد.
المقالة الأولى وهى أول ابواب هذا الكتاب جاءت بعنوان : (عبد الخالق محجوب ويولد الإنقلاب من الثورة) تناول فيها مسيرة الحركة الشيوعية بقايادة الحزب الشيوعى السودانى قانعة فى البدء بالإفادة من مساحات الحرية التى يتيحها النظام الليبرالى التعددي كالذى بدأ به الحراك السياسى السودانى قبيل الإستقلال وتوطئة له عام 1954 وأنه السبيل إلى تحقيق مقاصد الثورة الماركسية فى إسناد القيادة للطبقات المستغَلة فى تحالف العمال والزراع وأن تلك كانت قناعات السكرتير العام للحزب المرحوم الأستاذ عبد الخالق محجوب وأن العوار الذى لحق بالتجربة الديمقراطية فى أعقاب ثورة أكتوبر عام 1964 بحل الحزب الشيوعى عام 1965 وطرد نوابه الذين فازوا بجل المقاعد المخصصة للخريجين قد هز تلكم القناعة هزة عنيفة أفضت إلى مايشبه الإنقلاب الصامت فى كيان الحزب فقامت فيه فئة من المغامرين الراغبين فى إختصار الطريق إلى الثورة عبر الإنقلاب العسكرى وهو ما وقع عامى 1969 بقيادة جعفر نميرى ويوليو 1971 بقيادة الرائد هاشم العطا. ويلخص عبد الله الورقة على هذا النحو التالى:

الملخص
تناولت الورقة بالدراسة الحرج الأخلاقي والسياسي المأسوي للحزب الشيوعي السوداني الذي توقى من الانقلاب العسكري كما لم يفعل غيره، بل حرّمه ثلاثاً، ثم أنتهى موزوراً في الممارسة بانقلابين في 1969 و1971. أخرجت الورقة هذا الوزر الشيوعي إلى رحاب التاريخ من نهج يومية التحري الذي خضع له تحليل الانقلابين لعقود بأسئلة من شاكلة من أمر بالانقلاب؟ إلخ. نظرت الورقة في تطور النهج المعادي للانقلاب في الحزب الشيوعي الذي اختطه الأستاذ عبد الخالق محجوب، السكرتير العام للحزب بين 1949-1971، وعده مسارعة فطيرة غير مأمونة العواقب على الثورة السودانية. وخلص في دورة للجنة المركزية للحزب قبل انقلاب مايو 1969 إلى تعيين القوى الاجتماعية المهرولة، البرجوازية الصغيرة والبرجوازية، بالتكتيك الانقلابي، “بديلاً عن العمل الجماهيري”. وهو تكتيك يمثل في نهاية الأمر، في قوله، وسط قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية، مصالح طبقة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة”.”
ولعل القراء يقدرون معى الرهق الذى عاناه عبد الله فى كتابة هذه الورقة لما يكتنف ذلك من العاطفة حيث كان الرجل من مثقفى الحزب المقربين من الأستاذ عبد الخالق رحمه ويستشعر القارئ أنه كان شديد الإيمان كأستاذه بالليبرالية فقد شهدت له مواقف عدة بالدفاع المستميت عن الحريات ونعى على كثيرين حفاوتهم بإنقلابات وقعت فى المنطقة مؤخراً رغم نضالاتهم المزعومة لإعادة الديمقراطية والحريات. أمر آخر يدفعنا إلى تصديقه فيما روى عن أستاذه من تفضيله الصبر على الديمقراطية وإن طال السفر واستطال, حيث أنه لا يدافع عن وجهة نظر حزبية فقد استقال قبل عقود طويلة من الحزب الشيوعى علانية.
ذلك لا تنتف معه إشكالية تتمثل فى صعوبة التوفيق بين الليبرالية التعددية وموقف الفكر والممارسة الشيوعية المؤمنة بالشمولية. وتلك إشكالية حلت عقدها الأحزاب الشيوعية فى أوروبا الغربية وانحازت لثقافة مجتمعاتها الديمقراطية واعتمدت صناديق الإقتراع طريقة مثلى وحيدة للوصول إلى سدة الحكم وتحقيق ثورة الجماهير ولم أجد فى الورقة ربطاً بين الحزب الشيوعى السودانى ومدارس وأحزاب الشيوعية فى أوروبا الغربية يبرر قناعات المرحوم عبد الخالق محجوب إلا إشارة محتشمة إلى كونه قدسبق تلك الأحزاب فى قناعاته الليبرالية. وقد عنت لى تساؤلات عن علاقات الأستاذ عبد الخالق بالمثقفين الليبراليين فى زمانه من أمثال محمد أحمد محجوب وغيره , بأن هل من تأثير لأولئك فى قناعاته تلك؟ وهل كان ثمة مجال لفكاك حزب فى العالم الثالث من الأممية الشيوعية بحيث يختط الحزب لنفسه طريقا يبساً يلائم أحوال السودان؟ دون أن يفضى به التماس ذلك الطريق إلى مصير كمصير دوبشك فى تشيكوسلوفاكيا؟ سيما وقد أشار الأستاذ بوضوح إلى شدة وطاة السوفيت على الحزب عند عودة عبد الخالق من مؤتمر هناك جعله يلتف على قرارات للحزب فى التحول إلى حزب اشتراكى.
لقد أبلى عبد الله البلاء الحسن فى جلاء هذه المعضلات التى لازمت عقابيلها سيرة الحزب الشيوعى السودانى ومسيرته وأثرت على مكانته بين الجماهير. والأمر ليس مجرد تأريخ يروى ولكن أنموذج الحزب الشيوعى السوداني المتعجل تكرر على يد الإسلاميين فى إنقلاب الإنقاذ عام 1989 والذى أسرعت بخطاه وتيره مخاوف الحركة بعد إبعادها من توليفة الحكم بضغوط من الجيش إلى جانب سعى الحركة الشعبية لتحرير السودان من فرض رؤية للحكم بفوهة المدافع. وردود الأفعال القائمة على الخوف توشك أن تعصف بأى محاولة لتوطين الديمقراطية بمضامينها فى الشفافية وتحقيق العدل وجعل المواطنة معياراً لنيل الحقوق والقيام بالواجبات. إن إستشراء الخطاب الجهوى والعرقى وامتشاق السلاح لتحقيق العدل والمساواة يوشك الان أن يجعل من ترشيد الحكم غاية عصية التحقيق.
جاءت المقالة التالية بعنوان : ( الديمقراطية الجديدة والبرلمانية الليبرالية) فى اتساق موضوعى مع المقالة الأولى لتستعرض بأناة ودقة حوار الديمقراطية الموجهة الذى اصاب الديمقراطية الليبرالية فى مقتل وهو حوار استعر داخل أروقة الحزب الشيوعى السودانى أقر عبد الله فيه وبموضوعية ومن غير عناء أنه حوار لعبت فيه رياح السياسة العاتية المتقلبة فى مسيرة الحياة السياسية فى السودان الدور الأكبر . ولقد استعرضت تلك المقالة انقسام الرؤى وتباينها فى عضوية الحزب الشيوعى بين الداعين للصبر على وعثاء الليبرالية التى تتيح للعمال الحصول على حقوقهم فى كنف السلم وتهيا أحوالهم لوصول سلس للثورة وبين من كفروا بتلك التجربة وراموا الوصول للثورة بأقصر الطرق عبر الإنقلابات. يقول:
يقع هذا المقال ضمن شاغل بحثي لي مستمر عن مصادر العنف في الفكر
السوداني. وسأقتصر فيه على مناقشة دعوة “الديمقراطية الموجهة”، كخطر أحدق بالبرلمانية الليبرالية وجعل سياسي سوى تسع سنوات من عهد استقلال السودان الذي امتد لأربعة وثلاثين عاماً. ودلالة الزمن هذه على أهميتها إلا أن إحداق دعوة الديمقراطية الجديدة يتجلى أكثر في إعياء “الروح” السياسي الذي جعلنا لا نتعامل مع البرلمانية الليبرالية إلا كسندة سياسة مؤقتة، ينتظر الجميع عبورها لإنفاذ خططهم الخاصة بالديمقراطية المثلى التي غالباً ما انتهت إلى انفراد فريق مخصوص بالحكم .
وهذه الورقة تقوى ما اشرنا إليه من يقين بإيمان عبد الله بالحريات التى تمنحها التعددية الليبرالية وربما رجح ذلك من إيمان أستاذه عبد الخالق بها.ولكم تمنيت أن يتطرق عبد الله لمعالجة ضعف الليبرالية فى بلادنا وكيفية أن تكون لها أنياب حادة تجعلها تدفع عن نفسها البلاء . إن تفشى العمل المسلح المستظهر بالجهوية والعرقيات يجعل المهمة أصعب مما كانت عليه قبلاً.
على ذات النسق وفى ذات الترتيب الموضوعى جاءت ورقة (الإنقلاب : عين الحداثيين الحارة) ليخرج الحوار الذى سبق عن خصوصية دور الشيوعيين فى إضعاف الديمقراطية الليبرالية عبر المفاضلة بين الديمقراطية الجديدة أو الموجهة وبين الديمقراطية الليبرالية التى تقوم على مبدأ (صوت لكل رجل) إلى معترك أشمل تناول فيه دور النخبة المثقفة التى تشمل الجميع يسارين وإسلاميين وليبراليين على الجملة استبطأوا مجئ دورهم إلى سدة الحكم تبرماً من سطوة التقليديين فى الحزبين الكبيرين ولقد لخصت عبارته الموجزة بإتقان هذا الحوار فى قوله: (غزارة فى الأفكار وقلة فى النفر) كأن غزارة الأفكار تبرر إزدراء النفر وتجاوزه عبر العنف والإنقلاب.وقد بذل عبد الله فى هذه الورقة جهداً يجعلنى أقر بانه أفضل ما قرأت فى شأن دور النخب فى الإضرار بالحياة السياسية فى السودان دون تبرأة من سواهم ودون إغفال الجيوبولتيكا السالبة والنشطة فى هذا الجزء من العالم.
الورقة الاخرى بعنوان ابن خلدون فى خطاب الهوية السودانية وهى ورقة غاصت فى أعماق نظرية ابن خلدون القائلة بحيل قبيلة جهينة العربية فى الوصول إلى الملك فى السودان وتغيير تركيبته السكانية والثقافية عبر المكر والدهاء القائم على إستغلال طريقة توريث الملك الإفريقية فى عقب بنات أو أخوات ملوك النوبة فى السودان. وأن تلكم الحيل المخاتلة قد انطلت على أولئك السذج فخرج الملك من خلص النوبة إلى هذا الهجين الخلاسي المخاتل. شكك عبد الله فى صحة مزاعم ابن خلدون بشواهد عديدة لم تنته إلى حقيقة قطعية تؤكد أن التوارث فى النوبة كان عن طريق الأم وربما صار الأمر إلى ذلك مرات إستثنائية بظروفها. ولو اعتبرنا أن بلاد النوبة كانت جزءاً من العالم القديم بما دلت على ذلك آثار الرومان واليونان الكائنة حتى اليوم فى بلادهم وأن ملوكها النوبة زعموا أنهم من حمير, كان لذلك التواصل آثاره على ثقافتهم فى ان يكون التوريث عن عصب الأب كما كان الحال ولم يزل فى معظم بقاع الآرض.
علاقة هذا الأمر بخطاب الهوية السودانية فيما أفهم أنكره عبد الله محقاً حيث لم يقم عليه دليل دامغ يستند إليه وإنما كان مقالة أطلقها ابن خلدون , ولأنه يستبطن شنشنة فى حوارات الهوية تدمغ حملة الثقافة العربية فى السودان ذرارى أولئك بسجايا المكر والتدليس فضلاً عن نزع إفريقيتهم وإعتبارهم جنساً طارئاً على إفريقيا ما له من قراربما يحمل هذا الإستبطان من خطورة أدت فى بعض صورها إلى مجزرة فى حق عرب زنجبار فى ستينيات القرن الماضى بعد أن نزعت إفريقانيتهم وكأن الإفريقانية هى فقط سواد البشرة والزنوجة غضاً للطرف عن سكان شمال القارة الذين هم سكانها الأصلاء على مر التأريخ. هذه الورقة شبيهة بمقالة للدكتور عبد الله بعنوان “عرب الحافة”. هذا الجهد المؤكِد لإفريقانية جميع السودانيين (من دون فرز) يساعد فى تقوية اللحمة وتأكيد الهوية المشتركة.
الورقة الأخيرة بعنوان جغرافيا الاستعمار المانوية ومحنة محمود محمد طه (1985)*
وهى ورقة هامة توضح بجلاء الإطار المعرفى لكتابات الأستاذ الدكتور عبد الله على إبراهيم تجده فى نقده لنهج بخت الرضا فى التعليم وفى فصل القضاء والتعليم إلى فسطاطين فيما يسميه عبد الله بالمانوية, خلقا مشكلات لا حصر لها إمتدت آثارها لمناح عديدة فى قضايا ما بعد اإستعمار. وأزعم أنه الوحيد الذى وفق فى تشخيص الكثير من القضايا بإستصحاب هذه المانوية ومن ذلك النظر لقضية الأستاذ محمود محمد طه. يقول عبد الله فى التعريف فيما هو بصدده فى كتابة الورقة:
تفحص هذه الورقة محنة المفكر السوداني الاستاذ محمود محمد طه (1909-1985) الذي حوكم بالردة، واستتابوا تلاميذه، وأعدم في عهد الرئيس الاسبق جعفر محمد نميري (1969 – 1985م).
سترد الورقة بلاء طه وتلاميذه إلى جغرافيا فضاءات استنها الاستعمار فأورثت المستعمرة عنفاً تربص بها أشقاها في استقلالها. فشق الاستعمار المُستَعمرة إلى فضاءين: حديث وتقليدي. واصطلح فرانز فانون، الطبيب النفساني الفرنسي المارتينكي الأصل، على وصف هذه الجغرافيا ب “المانوية” نسبة إلى ماني، صاحب الديانة الفارسية التي تعتقد في انقسام أزلي للعالم بين نقائض مثل الخير والشر، يدور بينهما صراع درامي أزلي. فما حل الاستعمار ببلد، في قوله، حتى قسمه إلى فضاءين: الحيز الأوربي الذي له الأمر ومستودع القيم المستقبلية، وحيز “الأهالي” المغلوب على أمره ومستودع القيم الآفلة. وقد وصف فانون هذا العالم “المزدوج” المتباغض بهرميته الاعتباطية بقوله إن الفضاءين، الحديث والتقليدي، متعارضان من غير سعى من جانبيهما لبلوغ أي شكل أعلى من الوحدة .
يرد عبد الله عبر الوثائق والإفادات العديدة التى عكف على إقتنائها ودراستها أس المشكلة إلى صراع الحداثة والتقليدية الذى كرسه المستعمر فى التعليم بين المدارس الحديثة والمعاهد الدينية وتفضيل الأولى على الثانية فى الأجور والترقى والقبول عند الناس وبين القضاء الشرعي المنقوص السلطات وبين القضاء الحديث المستمد من القوانين البريطانية والهندية والتفرقة بين العالمين فى كل شئ.ولما كانت الورقة بين يديكم أورد هنا خلاصةما توصل إليه عبد الله وأرى فيه جهدا مثابرا للوصول إلى لب المشكلات بعيدا عن تسييس القضايا :
أصدر الأزهري قانون المحاكم الشرعية لسنة 1967 الذي رفع وصاية القسم المدني على الشرعي وساوى بين القضاة المدنيين والشرعيين في شروط الخدمة. أما نميري فأعلنها إسلامية كاملة الدسم قانونها هو شرع محاكم القضاة.
الكتابات السابقة: كيف أخطأت تشخيص محنة طه
قصرت الكتابات السابقة عن الإحاطة النافذة بمحنة طه حين عالجتها بمعزل عن التنظيم الثقافي المانوي الاستعماري الذي اكتنفها. وساق هذا بالضرورة إلى قصور في تحليل المحنة بثلاثة سبل:
أولهما: بالتركيز على دور الإخوان المسلمين، جماعة حسن الترابي، في قتل طه. وهو تركيز لا يعدل جرم الإخوان الحقيقي في مقتله. وهذا الجنوح في التركيز على الجماعة مما أملته خصومة أقرانهم التاريخية في الصفوة الحداثية لها في مسارح الجامعات.
ثانيهما: باستصغار الصفوة الحديثة للقضاة استصغاراً تشربوه من القسمة المانوية للحداثة والتقليد. فظنوهم غشماء سياسة حتى وهم يقتلون متربصين خصماً سياسياً ومهنياً. فمتى تسيسوا كان ذلك من أثر الإخوان المسلمين عليهم.
ثالثهما: لم ير فقهاء القانون المحدثون في أداء قضاة محاكمات ردة طه سوى عوار حقوقي اتسم بالتفلت في الاختصاص والانقلاب على مرعيات العدل الحديثة. وهذا ما لا يقع إلا من قانونيين كالقضاة في الدرك الأسفل.
خلافاً للسائد في تعيين المُلام في قتل طه تجادل هذا الورقة أنه كان لقضاة القسم الشرعي في القضائية ضغينة مؤكدة عليه رغبوا في الانتقام لها بأكثر مما كانت للحركة الإسلامية. ولبيان ثأر المشيخية على طه تفحص هذه الورقة الصراع المستميت بينهما منذ صدور حكم الردة الأول بحقه حتى مصرعه في 1985.
هذا كتاب جدير بالقراءة بغرض السعى الدؤوب المتجرد للإفادة من منهج رصين فى البحث الأكاديمى راقت لك استنتاجاته ونتائجه أم لم ترق لك.

تعليقات الفيسبوك