مشقة البحث عن أخبار سارة!

براين ويليامز من نجوم الصحافة التلفزيونية الأمريكية خلف أفذاذا فى شبكة ” ان. بى. سى.”الأمريكية صنعوا تأريخ التلفزة الاخبارية هم( برونكايت),( دان رازر) ثم( توم بروكو) صاحب الحنجرة الذهبية. ومهمة براين ويليامز وشارلى جيبسون وبوب شيفر فى شبكات التلفزة التجارية الاخبارية مهمة أكثر صعوبة فى عهد ( الكيبول تى. فى.) والصحافة الالكترونية وحتى الهواتف الجوالة التى تقدم خدمة خبرية سريعة. وقد خلت الساحة على أيام أسلافهم المذكورين من منافسة الوسائط المذكورة فكانوا نجوما بمعنى الكلمة يتسمر الناس عند الشاشات البلورية كل مساء فى انتظاراطلالاتهم ومن أولئك أيضا (تيد كبول) والراحل (بيتر جانينقز).أشفق براين ويليامز من تأثير الكم الهائل من الأخبار غير السارة التى تستأسد هذه الأيام على الناس على امتداد المعمورة بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة: مصارف ضخمة تتهاوى فى لمح البصر وشركات تأمين عملاقة تصبح أثرا بعد عين وشركات لصناعة السيارات على شفا الافلاس الكامل والنتيجة جيوش جرارة من العاطلين يملأون السهل والجبل! انه حدث أعتى من اعصار( السنانمى) الذى ضرب آسيا قبل أعوام فذكر الناس بيوم النشور وأعاد صوابهم الى حقيقة هشاشة الواقع الذى يعيشه البشر على ظهر هذا الكوكب الصغيرة الذى لا يعدو أن يكون مثل كرة صغيرة قذفها الخالق فى فضاء فسيح ممتد لا يعلم مداه الا هو.ويبدو لى أن السيد براين ويليامز رجل رقيق الحاشية متأزم من ثقل ما يعلن على الناس كل مساء من الأخبار البائسة التعيسة التى لا تخلف فى نفوس الناس سوى الاحباط والحسرات والقنوط والزهد فى أن يحمل المستقبل خيرا. وتحت وطأة ذلك الشعور و خشية على نفسه من أن يراه الناس شبيها بالغراب المسكين الذى تستخدمه بعض الثقافات هو والسيدة (البومة) جريرة حمل الأخبار غير السعيدة, فقد وجه التماسا لمشاهديه عقب أخبار السابعة مساء ليوم 4 مارس الفارط لموافاته بأخبار سارة يبثها على الناس!! ذلك يوضح بجلاء وطأة المدى الذى بلغته الأخبار السيئة على الناس والا كيف نفسر طلب صناع الأخبار أو قل اللاهثين خلفها ينفقون الملايين الطائلة للحصول عليها من المتلقين أن يوافوهم بالسار منها ليجلبوا بعض السرور الى نفوسهم! نعم لعل السيد براين خشى خشية عظيمة أن يظن الناس أنه غراب نوح الذى تقول بعض القصص أن سيدنا نوح قد أرسله وسفينة الناجين من الطوفان التى كان يقودها قد أعياها البحث عن اليابسة وأمواج الطوفان تعصف بها فى كل اتجاه, كى يبحث عن يابسة فطار الغراب فى كل اتجاه وعاد الى نبى الله نوح وهو خالى الوفاض. فأرسل الحمامة فجاءت بغصن زيتون أخضر من اليابسة فأصبحت رمزا من يومئذ للسلام والأخبار السعيدة هذا رغما عن أن شاعر المعرة قد عدها فى زمرة القساة وزعم أنها فى شراسة الصقور والبزاة ! قال:ظلم الحمامة فى الدنيا وان عدت فى الصالحين كظلم الصقر والبازىوقد استعان العقاد رحمه الله فى يومياته بأقوال المختصين فى سلوك الحيوان لتأكيد مقولة شيخ المعرة فقال انهم قالوا انها اذا اقتتلت وحمامة أخرى من بنى جنسها أومن غير جنسها فانها لا تكف عن قتال خصمها حتى الموت. وذاك كما ترون ليس من قبيل ما ينتظر من مخلوق يرمز به للسلام وحسن الوئام!وعمد شاعر عربى آخر, لو أدرك زمان الناس هذا لانخرط فى جمعيات الرفق بالحيوان الى انصاف الغراب المسكين المفترى عليه. قال:

ما فرق الأحباب بعد الله الا الابل وما غراب البين الا ناقة أوجمل!

ولعل ذلك رد حسن على من قال:

غراب البين حل بدارنا فبكى لصوت نحيبه باكينا

هذا وقد نسى الناس مزية للغراب وردت فى التنزيل هى أنه قد علم بنى آدم فضيلة دفن موتاهم.والناس فى كل عصر ومصر يتحاشون الأخبار السيئة رغم أن فيهم من يطربون لها ويزيدون عليها من أخيلتهم المعتلة فيضخمونها ويهولون من أمرها فسعادتهم فى شقاء الآخرين لكننا نتحدث عن الأسوياء من بنى آدم. وفى ظروف اقتصادية طاحنة أعقبت اكتمال مشروع امتداد المناقل حيث فقد كثير من عمال الرى وظائفهم انتظر أحد الشيوخ مقدم مسافرين أتوا من الصعيد يستطلع خبر ابنه: ” يا ابنى.. فلان ولدى شغال؟” فجاءت الاجابة المحبطة ” لآ والله يا عم فلان” قال الشيخ بقسوة : ” ماك بشير خير!” من منا يريد سماع عبارة كهذه؟ لعلكم الآن تقدرون مشاعر براين ويليامز وهو يتخيل الملايين الذين فقدوا مصادر رزقهم وأولئك الذين لم يفقدوها بعد وهم متوجسون من مصير أولئك ببث أخبار كالزلازل تترى كل يوم , ولعله يتخيل أولئك جميعا يسبونه كل يوم ويحملونه جريرة ما هم فيه بشتائم ولعنات أقذع من عبارة شيخنا آنف الذكر ” ماك بشير خير!”.وتدفق سيل الأخبار السارة على الرجل: روى أحد المشاهدين قصة ( صاحب عتب) يملك عمارة ضخمة فى نيويورك أعفى عددا من المستأجرين من دفع الاجار الشهرى حتى تنجلى الغمة بل انه سدد لبعضهم فواتير الكهرباء والمياه! وتحدث آخرون عن واحد بسط قدحا كبير لمعدمين قدحا يضاهى قدح عمدة كلى : ” مسا وصباح مجرور.” وهكذا طرز الاعلامى الحاذق نشرته الاخبارية بأخبار سارة جلبت التوازن لنشرة بدت للناس مثل صفحات النعى التى تخصصها الصحافة الغربية للموتى أو قل مثل نشرة الثامنة المحلية التى كان أهلنا فى الأرياف النائية يتعوذون كثيرا وقلوبهم وجلة وهم يستمعون اليها.والشاهد فى ذلك أن فى الدنيا أخبارا سارة على الدوام الى جانب الأخبار البئيسة التى تجلب الهم والغم. لكن يبدو أن عنصر الاثارة يكمن فى الشائن المشين منها الذى يسترعى الانتباه أكثر. ولعل هناك مآرب اقتصادية وسياسية أخفى من وراء التخويف وغرس الذعر فى نفوس الناس.ولا شك أن الأخبار السارة فى خضم الأزمات تبعث الأمل فى النفوس وتجدد الرغبة فى السعى الدؤوب من أجل حياة أفضل. وكنت لأول العهد قد استغربت تفشى العرافين والسحرة فى المجتمعات الصناعية المتقدمة فسألت أستاذة مرموقة فى العلوم الاجتماعية عن ذلك فأجابت :ان تفشى الظاهرة ليس أمرا سلبيا تماما كما يبدو خاصة فى وقت الأزمات لأن العرافين وقراء الأكف يبالغون فى تبشير زبائنهم بأيام حالمات حبلى بالخير ستعقب ما هم فيه من ضنك. وأضافت هذا حسن. انه بالتأكيد أفضل من بقاء القنوط واليأس الذى لا تحمد عواقبه.وهكذا وكما ترون هناك أكثر من سبيل ومن وسيلة لا تقليدية فى الترويج للخير وحث الناس على التفاؤل واحتضان الأمل لتذوق طعم الحياة. وبشروا ولا تنفروا

تعليقات الفيسبوك