محاولات بناء الجسور بين الحضارات الى أين….؟

يتهيأ كثير من العقلاء فى سائر الملل والنحل والثقافات لظاهرة العولمة بالعمل على خفض العواطف الجياشة -الضرورية أحيانا- لتماسك الكيانات الوطنية والدينية .
ذلك لآن تقاصر المسافات بفعل وسائط النقل السريعة ووسائل الاتصال الأسرع قد فرضت ضرورات تساكن لم يسبق لها مثيل فى تاريخ البشرية الطويل تداخلت فيها المعتقدات وطرائق العيش والسحنات وغدا ضروريا أن يتنازل المتساكنون جميعا عن بعض الخصوصيات وأن يقبل الجار جاره الجنب أو جاره عبر الوسائط الالالكترونية على علاته وأن يطلب منه معاملة بالمثل. ومعنى ذلك كله احترام متبادل للخصوصيات الثقافية اذ دلت كافة التجارب على فشل محاولات الاملاء القسرى وفرض الرؤى مهما كان نبل المقاصد.
ومن هذه الجهود المخلصة كتاب عضو الكونقرس الأمريكى السابق “مارك سيلجاندر ” الذى صدر هذه الأيام تحت عنوان:
” سؤ فهم قاتل:”
مسعى عضو كونقرس لبناء جسر لردم الهوة بين المسلمين والمسيحيين

A Deadly Misunderstanding
A Congressman’s Quest To Bridge The Muslim-Christian Divide

يقع الكتاب بملحقاته فى 243 صفحة من القطع المتوسط وسبعة عشر فصلا وهو عصارة تجربة شخصية للكاتب فى رحلة وعرة تضمنت بحثا مضنيا فى بطون الكتب واسفارا شاقة وخطرة فى بقاع العالم المختلفة للقاءات وحوارات هدف من خلالها أن تصبح موادا صلبة لجسور بين المسلمين والمسيحيين وربما اليهود. وقد قدم له الأمين العام للأمم المتحدة ( بان كى مون) وهو مسيحى الديانة مثمنا ما جاء فيه من جهود للتقريب بين المسلمين والمسيحيين .
كذلك علق عليه مستحسنا جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق وأدوين ميس النائب العام ووزير العدل الأمريكى الأسبق.
ومارك سيلجاندر عمل عضوا فى مجلس النواب الأمريكى لثلاث دورات منذ عام 1981 وحتى 1987 وهوجمهورى محافظ من ولاية ميتشجان. بدأ متدينا افانجليكانيا متشددا وعضوا نشطا فى منظمة ” اليمين الدينى” سليط اللسان الى الحد الذى أسهم فى اخفاقه فى تجديد ولايته فى مجلس النواب. عينه بعد ذلك الرئيس الأسبق رونالد ريجان سفيرا مناوبا فى مندوبية الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة فى نيويورك. يقول مارك انه كان متعصبا متحاملا على الاسلام الى الحد الذى دفعه للخروج من القاعة عندما تلى أحد زملائه آية من القرآن الكريم فى احدى مؤتمرات ” صلاة الافطار الوطنى .”
يقول مايكل ان نقطة التحول فى حياته من قوقعة التعصب الأعمى الى رحابة البحث عن المشتركات بين المؤمنين جاءت بتأثير رجل آخر هو ” دوغ كو ” مؤسس صلوات الافطار فى الكونقرس اذ دخل عليه مرة وسأله : فيم تسفارك فى العالم وما الغرض من العلاقات التى تقيمها مع من تلتقى بهم هناك ؟ قال : قلت على الفور ودون تردد: استراتيجيتى هى تحويلهم من أديانهم الى النصرانية! تلك هى رسالة كل مسيحى! ذلك منصوص عليه فى الانجيل. قال أجابنى ” دوغ” حقا؟ هل بوسعك أن تدلنى على آية من الانجيل تدعو الى تنصير الناس؟ قال مارك : تملكنى العجب من مقالة “دوغ” وقلت فى نفسى هل هو جاد . ان تنصير الناس من المسلمات التى تدرس لتلاميذ الصف الأول فى مدارس الأحد الدينية. ” هل أنت جاد يا دوغ بهذا السؤال . أجاب ” دوغ” بأن نعم. ” دلنى على آية واحدة فى الانجيل تدعو الى تنصير الناس”. قال مارك: ووقعت فى حرج عجيب اذ لم أتذكر آية واحدة تدعو الى ذلك فشعرت بمهانة!
قال ثم تذكرت آية فى انجيل متى تقول :” اذهب اذن وغير ديانات كل الأمم وعمدهم باسم الأب
والابن والروح القدس.” (متى 28:19). هنا استدرك مارك قائلا : لكن عيسى لم يشر هنا الى النصرانية أو الى أى دين بعينه. ( أى أنه أمر فقط بتحويل أتباع الديانات الى الله وحسب.) ثم وجد آية من انجيل يوحنا المعمدان تقول ” لا يصل انسان الى أبى الا عن طريقى أنا” . لكنه –
يقول مارك مجددا – لم يشر الى المسيحية بالاسم أو الى دين بعينه. ثم وجد فى كتاب ” أفعال الرسل” آية تأمر اليهود بأن ” يتوبوا وأن يتحولوا لكى تمحى سيئاتهم.” انها – يقول- من أشهر ما جاء فى” العهد الحديث”) والعهد الحديث هو انجيل المسيحيين الذى حوى تعاليم المسيح عليه السلام( مما حوى الكلمة المفتاحية التى تستند عليها الكنائس الافانجليكانية فى مسعاها لتنصير كافة أتباع الملل الأخرى. ومقابل كلمة ) يحول أو يغير فى الآية المذكورة آنفا فى الانجليزية هى كلمة convert وهى تعنى لغويا تغيير الوجهة أوتبديلها واصطلاحا تعنى تبديل الدين أو تغييره باتباع غيره . وتقوم عقيدة الافانجليكانيين ( وتضمهم كنائس أمريكية محلية ليست جزءا من الكنائس العالمية المعروفة التى تضم المذاهب المسيحية المعروفة ) mainline churches على قاعدة أنه يلزم المسيحى السعى الى تبديل ديانة غير المسيحيين بتحويلهم الى الديانة المسيحية بينما لا تشترط جل الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية المعروفة ذلك.
لكن مارك يتساءل تعليقا على ما جاء فى الآية المذكور قائلا: ولكن يتحولوا convert الى ماذا؟ الى أى ديانة؟ ويقول: ان ” بيتر” فى الآية لم يحدد ذلك ولم يسمى دينا بعينه.
قال : قلت ل “دوغ” سأعود اليك لا حقا بتلك الآية.” أى تلك التى تدعوا معاشر المسيحيين الى تنصير الآخرين.
وظل مارك- كما قال- ينقب فى صفحات الانجيل جيئة وذهابا بحثا عن تلك الآية ليس لأسبوع واحد أو أثنين بل لعام كامل ولم يعثر على آية واحدة تدعو الى تحويل الناس عن دياناتهم الى المسيحية. وأقتنع أنه لا توجد أصلا آية تدعو الى ذلك. وذهب الى أبعد من ذلك بأن كلمة مسيحية أو نصرانية Christianity لم يرد ذكرها على لسان المسيح عليه السلام ولا مرة واحدة وأنها وردت على لسان “جيمس” أخو المسيح. أما الصفة منها ” مسيحى أوChristians مسيحيون فقد أطلقت على أتباع السيد المسيح فى(انطاكية) ربما على سبيل الاستهزاء بهم من قبل خصومهم كما أنها وردت فى كامل العهد الحديث ثلاث مرات فقط ليس كمصطلح لأتباع المسيح الذين كانوا يطلقون على أنفسهم بأنهم ” أتباع الطريق” ولم يطلقوا على أنفسهم اسم مسيحيين.
قال مارك ان غير اليهود عندما أرادوا اتباع السيد المسيح ثار جدل عنيف بين تلاميذه هل يحق لأولئك أن يتبعوا المسيح أم يتعين عليهم أن يدخلوا الديانة اليهودية قبل أن يتبعوا المسيح .
وخلص مارك الى قناعة بأن المسيح عليه السلام ما جاء ليؤسس ديانة جديدة. قال : ان المعلم الذى جاء من مدينة الناصرة لم يرم أبدا الى تأسيس دين جديد وأن الذى رمى اليه هو تأسيس حركة , ثورة علائقية تستهدف تطهير القلب الانسانى.
وعبر صديق له يدعى يدعى “جون بوكو” وهو فى الأصل رجل دين كان صديقا لوالده انتبه مارك الى ضرورة دراسة اللغة الآرامية – لغة السيد المسيح عليه السلام- . فالسيد “جون بوكو” ابن مهاجر آشورى قدم الى أمريكا من العراق. والآشوريون هم أول من آمن بالمسيح وجعلوا دينه الديانة الرسمية لدولتهم عام 179 ميلادية ولغتهم كانت هى لغة المسيح الآرامية وهى لغة سامية شقيقة للغة العربية. يقول مارك ان قلة قليلة من الغربيين قد سمعت أصلا بالآرامية قبل ظهور فيلم ( ميل جبسون) ” آلام المسيح ” فى عام 2004. ( لاحظ من شاهد الفيلم صلة القرابة الشديدة بين العربية والآرامية فى لغة المسيح).
عكف مارك على تعلم الارامية ووأول ما توصل اليه هو أن كلمة ( ن ص ر) أو بدل دين Convert انما هى ترجمة خاطئة لكلمة ( شالم) فى الارامية وهى قريبة الشبه نطقا بكلمة( سلام) فى العربية و(شالوم) فى العبرية وهى تعنى فى بعض معانيها عين ذلك . لكن مارك تعمق فى البحث حتى وجد أن من معانيها ” استسلم” “اذعن” ” عد الى الحق” “أرجع .”معنى ذلك – يقول- مارك أن بيتر عندما خاطب الجمع بقوله ” ” be converted لم يكن يعنى بالعبارة” بدلوا دينكم وتحولوا عنه الى النصرانية “وانما عنى فقط “استسلموا بالايمان لله.” والكلمة المستخدمة هنا هى كلمة( شالم) الآرامية التى ترجمت خطأ الى الاغريقية وسائر اللغات الأوربية فيما بعد الى كلمة تنصروا أو نصروا convert كما يقول مارك سجلاندر.

يؤكد مارك بقوة أن كلمة ” شالم” الآرامية تعنى” سلم” وفى الآية التى وردت فيها تعنى :
“سلم قيادك لله أو أسلم وجهك لله.” ولا تعنى بأى حال بدل دينك وكن نصرانيا. يقول ان ترجمة الكلمة الى هذا المعنى المغاير تماما لمعناه يعد ” سؤ فهم قاتل” ص33
يقول : عوضا عن جعل الكلمة مفتاحا للصلة بالله بتطهير النفس من الخطايا والذنوب أصبحت الكلمة دعوة للهيمنة والاكراه. ويرجح أن ذلك ربما كان من فعل الامبراطور قسطنطين فى اعلانه عام 325 ميلادية الذى جعل المسيحية ديانة رسمية للامبراطورية الرومانية.
ويسترسل مارك متحدثا عن كيف اهتزت قناعاته القديمة الواحدة تلو الأخرى عن الاسلام .
كانت أولى تلك المسلمات التى انهارت تماما لديه هى كما ورد فى الحلقة الفائتة أنه لا يوجد قطعا تكليف الهى لأتباع المسيح بحض الآخرين على ترك دياناتهم والالتحاق بالمسيحية كسبيل
أوحد للوصول الى الله وأن الاية التى تستند اليها الكنائس الافنجيليكانية فى حملات التبشير آية حرفت عند ترجمتها من لغتها الأصلية – الآرامية- الى الاغريقية ومن ثم للغات الأوروبية الأخرى مرورا باللاتينية. والمسلمة الثانية التى انهارت لديه هى أن السيد المسيح لم يظهر
ليدشن ديانة جديدة وأنه لم يذكر قط كلمة” مسيحية” وأن أتباعه كانوا يطلقون على أنفسهم
” أتباع الطريق”. وبكلمات حارة مع النفس هنا قال: ماذا يعنى ذلك بالنسبة لى أنا الذى ظللت العمر كله أعد نفسى مسيحيا ملتزما؟ هل كان ذلك مجرد وهم؟ وهل تعرضت لعملية “غسيل
مخ “؟ لقد احسست أنى كنت ضحية ثقافتى التى شكلت قناعاتى عبر كتب ومقالات لا يحصيها العد وعبر معلمين وخطباء دينيين كلهم كانوا يؤكدون على وجود حقائق ناصعة مضمنة فى كتابنا المقدس. لقد قبلت ما سمعته أذناى .
أما المسلمة الثالثة التى انهارت هى اعتقاده قبلا أن المسيح عليه السلام ليس معترفا به لدى
المسلمين ولا ذكر له عندهم. أكد له رجل دين مسيحى من نيبال أن المسيح مذكور فى القرآن الكريم. فعكف على القرآن ليجد عيسى عليه السلام مذكورا بالتبجيل والقداسة مائة وعشرة مرات! وأن القرآن يذكر الكتب المقدسة الأخرى التوراة والانجيل والزبور.
يتناول الكاتب بعد ذلك قضايا هامة تفصل بين الديانتين بنقاش معمق فالمسيحيون لا يعترفون بالقرآن الكريم ككتاب مقدس ولا بنبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ويعتقد بعض غلاتهم أن ” الله” الذى تعبده العرب ليس هو الله الخالق القهار وانما هو صنم بل هو “هبل” اله القمر وأن اسمه عند العرب كان “الله”. أشار الكاتب هنا الى ما قاله نائب وزير الدفاع الأمريكى ويليم بويكن عام 2003 بأن ” الله” الذى يعبده المسلمون ليس هو الله الحق الذى تؤمن به
المسيحية وانما هو صنم. كذلك قال القس بات باترسون المعروف عام 2005 بأن المعضلة
تكمن فى من هو الله الأعلى الذى يستحق العبادة :” هل هو هبل , اله القمر الذى فى مكة
والذى يسمى الله ,أم أنه ) يهوا( المعروف فى التراث اليهودى المسيحى الوارد فى الانجيل “.وفى آخر استطلاع بين الافانجلكيين أقر أثنان فى المائة فقط بأن الله الذى يقدسه المسلمون والله المقدس لديهم هو ذات الاله بينما ذهبت الأغلبية الساحقة منهم 92% بأن الههم غير اله الاسلام .وقال أثنان بالمائة أنهم لا يعرفون ان كان هو ذات الاله الذى يعبدون أم لا.
وبمعرفة مارك للآرامية التى وصفها بأنها أم العبرية وبنت عم العربية وجد أن العرب قبل الاسلام كانت تطلق على هبل صفة “اله” وليس” الله “وهوذات المعنى فى الآرامية وأعتبر الاستنتاجات الكنسية قد أخطأت لجهلها باللغة ولتحاملها وأنها لو أنصفت لعلمت أن أصل كلمة وفيها معنى gottجاءت من استخدامات وثنية سابقة فهى من كلمة God الله فى الانجليزية اله أو روح الماء. ذلك الأصل لا يضيرها فى شىء فهى ترمز الآن للاله الحق المعبود مثل كلمة (الله) فى العربية. أشار الى أمر آخر هو أنه ولمئات السنين قبل ميلاد نبى الاسلام كان نصارى العرب واليهود فى جزيرة العرب يستخدمون ذات المصطلح ” الله” فى عبادتهم للخالق الرزاق
ولا يزال نحوا من عشرين مليونا من نصارى العرب يستخدمون ذات الكلمة التى يستخدمها المسلمون فى الاشارة الى الخالق اله ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد: الله. هذه النقطة تحديدا استرعت انتباه الأمين العام للأمم المتحدة فى تقديمه للكتاب فاشار اليها مستدلا بها على كون
(الله) الذى تعبده العرب هو ذات الله الذى يعبده المسيحيون. وخلص الكاتب هنا الى القول: انه
من الصعوبة بمكان بالنسبة لى أن أعتبر القرآن شىء آخر سوى أنه كتاب مقدس للمسلمين
مثلما التوراة والانجيل بالنسبة للنصارى. لقد جاءت اشارته موحية وذكية عندما سمى هذا الفصل ” كتاب مقدس آخر” فى اشارة الى المسيحيين واليهود الذين يعتقدون أن كتبهم هم هى وحدها المقدسة الموحى بها من عند الله.
تبحر بعد ذلك الكاتب فى قواعد الاسلام الخمس وخلص الى أنها لا تتعارض فى شىء مع تعاليم المسيحية بل هناك أوجه تشابه كثيرة بينها وبين تعاليم الانجيل. وقف عند الشهادة مثلا فقال وأن أولى وصايا المسيح Shemaان كلمة شهادة مطابقة فى المعنى لكلمة ) شيما( الآرامية
“العشر والتى وردت فى مارك 12:29 تقول: يا أبناء اسرائيل ان ربنا الاله واحد ويتعين عليكم محبته بجماع قلوبكم وعقولكم وقواكم. هذه أولى الوصايا.” وأن (الشيما) التى يرددها اليوم اليهود فى أنحاء المعمورة تقول:
” ان الرب , الهنا (فى الارامية آلاها) واحد”.
تحدث عن رفض المسلمين القاطع لركنين هامين فى المسيحية وهما : أبوة الله للمسيح وقصة
صلبه. وخلص الى أنه لا تناقض عنده على الأقل بين فهمه لطبيعة المسيح وفهم المسلمين لكنه يجادل فى موضوع البنوة بأن الأمر ليس بيولوجيا محضا . لكنه يشير بطرف خفى بغموض مقصود ربما الى أن عقائد الاغريق والعقائد الهندية كانت ترى أن الآلهة يجامعون الآدميات جنسيا. ويتراءى لى أنه يقبل فكرة أن عيسى هو ابن الله على سبيل المجاز كونه ولد بنفخة قدسية. وكان لويس فاركان قد حل هذه المعضلة بطريقته الخاصة مستشهدا بالحديث الذى يقول : ” المال مال الله والخلق عيال الله.” وأن بنوة عيسى بهذا المعنى. وحول الصلب يخلص
الى أن البعد البشرى الذى جاء للمسيح عن طريق أمه مريم قد مات تحت الصلب. بينما ارتفعت الروح الى العلالى. وهذه من النقاط التى استعصى عليه قبولها بالكامل وفق عقائد المسلمين فتوصل لاستنتاج غريب هو أن الله تعالى فى قوله : ” وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم” انما برأ اليهود من جريرة قتله فالضمير هنا عائد لمن تبجح منهم على عهد النبى محمد(صلعم) بأنهم ( اليهود) قد قتلوا عيسى بن مريم ” وقولهم أنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم.” مشيرا الى أن الرومان هم الذى ارتكبوا جريرة القتل!
ثم تناول تهمة رمى الاسلام بالعنف موردا آيات القتال. هنا أورد الكاتب آيات من العهد القديم
تتحدث عن القتل والتدمير بل أشار الى أنها من حيث العدد أكثر من تلك الواردة فى القرآن الكريم. قال ان رجال الدين المسيحى واليهودى يلتمسون لكتابهم العذر بقراءة تلك الآيات فى
السياق الثقافى والتأريخى الذى وردت فيه. ويرى أنه من الانصاف والعدل أن يراعى السياق
التأريخى والثقافى عند قراءة آيات القران أيضا. ويقول فى حق النبى (صلعم) : ان القرآن
يحدثنا بأن محمدا كان رحيما حتى فى الحروب: لقد حرم قتل واساءة معاملة النساء والأطفال
ونهى حتى عن قطع الشجر. لا شك أن صور متعصبين شبانا وشابات يندفعون الى أماكن عامة
بمتفجرات فى صدورهم يهلكون بها العشرات عشوائيا أو يختطفون طائرات على متنها مدينيون أبرياء ليقتحموا بها أبنية تغص بآلآف آخرين كان سيملأ قلب نبى مكة والمدينة ألما وحسرة.
بقى أن نقول ان الكتاب قد احتوى على لقاءات عديدة مع مسلمين فى قارات المعمورة جميعا بينهم علماء ومثقفون ورؤساء وملوك بينهم الرئيس البشير وعدد من شخصيات سودانية لا تتسع هذه الصفحات لذكرها لذلك آثرنا التركيز على الأفكار الرئيسية فى الكتاب .
قد يتساءل البعض عن سلطة مارك الأكاديمية أو المعرفية فى استنتاجياته ويجاب على ذلك بأنه قد جادل علماء الأديان فى جامعات عريقة مثل جامعة ادنبرة ومختصين فى اللغة الآرامية فوصفوا استنتاجاته بأنه تمثل ثورة حقيقية فى مجالها.
وبعد…. هل أصبح مارك مسلما؟ الاجابة لا.. بالمعنى الاصطلاحى لكنه أقر بصحة وصف المسلمين لابراهيم وموسى وعيسى بأنهم مسلمون بمعنى الاستسلام التام لله . لكن مارك ذكر بأنه لم يعد فى مقدوره تأطير نفسه ضمن مذهب معين أو طريقة بعينها انه يسعى لاشاعة
السلام بين أتباع الديانات الكبرى الاسلام, المسيحية , اليهودية والبوذية كل أولئك الذين يوقرون السيد المسيح و يعتبر المسيح مدخلا لهذه الأديان جميعا عبر الحب الانسانى. ويرى ضرورة أن ترقى الصلات فوق مستوى التسامح الى مستوى الحب. ويقول انى لست متسامحا مع أبنائى بل انى أحبهم . مذكرا أتباع المسيح بوصيته ” أحبوا أعداءكم” وعبر هذا الحب يشيع السلام فى الأرض .
هذا كتاب هام فى موضوعه ويرجى أن يحدث ثورة فى العلاقات الدينية وفى تمتين الاخاء
الانسانى.

تعليقات الفيسبوك