كلمة في مفتتح مؤتمر الكلية الجديدة بجامعة مدراس في مدينة شناي بولاية تاميل نادو بجنوب الهند

مقدمة:
نبدأ بحول الله ، بالجغرافية لتحديد موقع جمهورية السودان من موطن اللغة العربية منتقلين بعد ذلك للتأريخ حيث بدأت مساهمة السودان في نشرها.
يقول علماء الجيولوجيا إن قارة إفريقيا وشبه الجزيرة العربية كانت رتقاً انفتق قبل نحو خمسين ألف سنة ويقول بعضهم بل قبل ملايين السنين بسبب التصدع الذي
يعرف بالأخدود الإفريقي العظيم وبالإنقليزية ب The Great Rift Valley وهو يمتد في قارة آسيا من سهل البقاع في لبنان وهضبة الجولان مكونا البحر الميت والبحر الأحمر الذي يفصل بين شبه الجزيرة العربية مرورا بالهضبة الإثيوبية إلي موزبيق في الجزء الجنوبي في إفريقيا ويعد سبباً في وجود البحيرات العميقة في تلك المنطقة من القارة.
والبحر الأحمر الذي يفصل بين شبه الجزيرة العربية والسودان يبلغ عرضه ٣٥٥ كيلو مترا أي (٢٢٠،٦ميلاً )وقد ظل منذ القدم يربط بين الضفتين وبين بلاد السودان وشبه القارة الهندية. ثم أصبح السودان منذ ظهور الإسلام معبراً لحجاج إفريقيا للبيت الحرام عبر ميناء سواكن.
كذلك ارتبط السودان من أقدم العصور بالجارة الشمالية مصر عبر نهر النيل. و مع شبه الجزيرة العربية عبر البحر الأحمر هذا الممر المائي الضيق وهذا الرابط جعل مصر وشبه جزيرة العرب ، أهم معبرين للهجرات العربية إلي السودان تلتهما هجرات أخري من المغرب العربي خاصة بعد سقوط آخر الممالك الإسلامية في الأندلس عام ١٤٩٢. وهكذا ندلف إلي التأريخ .
تورد بعض المصادر أن موطن العرب كان علي ضفتي البحر الأحمر والذي كان يعرف ببجر القُلزم. وإن صح ذلك يكون الساحل الغربي الذي يشمل السودان وارتريا ومصر وجزءاً من الصومال موطناً أصيلا من مواطن العرب شأنه شأن الساحل الشرقي للبحر الواقع في شبه جزيرة العرب. وفي دراسة حديثة تبلغ من العمر نحو عقدين أشار إليها المستشرق والسفير الألماني (فيرنر دام ) في محاضرة قد تجدونها علي اليوتيوب ضمن محفوظات قناة إفريقيا، لخصتها في مقالة لي تجدونها علي موقع مقامات دوت نت بعنوان: ” فيرنر دام : حصائد البحوث العلمية الأحدث تقول إن السودان هو أصل حضارة وادي النيل وأصل اللغات السامية والحامية!” ويحدد تلك المنطقة بالرقعة الممتدة من شمال الخرطوم وحتي الحدود المصرية.
وتجذر العربية في السودان يعد سبباً لمثل هذه الترجيحات فالعلامة عبد الله الطيب ، رئيس مجمع اللغة العربية السابق وأحد أعضاء مجمع اللغة العربية في القاهرة وعميد كلية الآداب في جامعة الخرطوم ثم مديراً لها ،يرجح أن يكون السودان موطناً أصيلاً من مواطن العربية بوجود عربية ناصعة في السهول الداخلية مع انتفاء ذلك الوجود في المنافذ التي يعتقد أنها وفدت عبرها عبر البحر الأحمر حيث تسود علي طول الساحل لغات البجاة المتعددة وحيث تسود في الشمال المتاخم لمصر لغات النوبة غير العربية وهو بذلك يشكك في كونها وفدت عبر ذينك المنفذين وأنها كانت هناك منذ الأزل.
ولا يقتصر هذا الترجيح علي المتحمسين من السودانيين للثقافة العربية ولكنه يتعداهم إلي أدباء العرب الذين أعجبوا برسوخ قدم عامة السودانيين بالفصاحة دع عنك متأدبيهم وشعرائهم. وأدلل علي ذلك بهذا الاقتباس للأديب والروائي المصري الكبير الذي كان مسؤولاً في وزارة المعارف المصرية الأستاذ محمد فريد وجدي بك وكان قد كتب بقلم الأديب المتمرس عن عنترة بن شداد “أبو الفوارس عنترة ” وعن أمرو القيس “الملك الضليل ” وعن حرب البسوس بما حبب لجيلنا العربية ولعلي أنصح بإدخال كتاباته ذا ت التعبير الجميل والكلمات الراقصة المعبرة في مناهج كليتكم الموقرة ، وهو يقدم لديوان الشاعر السوداني محمد سعيد العباسي:

” كنت قبل هذا قد رأيت نخبة من فضلاء أدباء السودان وقرأت لهم وسمعت منهم وكنت في كل مرة ازداد إيمانا أن الصور التي تلمع في شعرهم تنبعث عن فن أصيل ومن نبع فياض، بل لقد ذهب بي الخاطر أحياناً إلي أن ألمح في شاعر السودان أديباً أبعد أصلاً في العروبة من سائر الأدباء، لقد سمعت في شعر السودان البدوي، وفي أهازيجه الشعبية من صيغ الألفاظ، ومن صور التعبير ما لا يتوفر إلا لقوم لهم لسان عربي فصيح من أرومة عربية بدوية عريقة.
لقد سمعت في السودان من شعراء الشعب قوماً ينطقون لعامة الناس بما لا يدركه إلا المتأدب المتوفر علي دراسة اللغة فهو ينشد الناس بلغة عامية متحدثاً عن الشادن والرحال والمسارب. وما أظن عامة شعب عربي آخر تدرك لهذه الألفاظ معني.
من ذلك ذهب بي الخاطر أحياناً إلي أن أهل السودان العربي إنما ينطقون بلسان قديم ويغترفون العربية من أصل أصيل، بل لقد خطر لي أنهم استقوا العربية عبر البحر قبل أن يرتوا من منهل الإسلام.
وليس ببعيد أن يستطيع أحد الباحثين إثبات قدوم العروبة في السودان وأن القوم قد عاصروا اخواناً كانوا يتغنون معاً بلسان عربي مبين ولست أنسي جمال ما سبق أن قرأته من شعر التجاني وعبد الله عبد الرحمن بل ولست استطيع أن أنسي تلك السجعات العامية الحلوة التي لا أكاد أذكر أسماء أصحابها.” ص ١٦ من ديوان محمد سعيد العباسي.
ولعل عجبه كان سيتضاعف لو علم أنجل شعراء تلك الفرائد كانوا قد تلقوا تعليماً محدوداً لم يتجاوز موحلة كتاتيب القرآن وأنهم كانوا من أصحاب الحرف البسيطة مثل الذي أورد الشادن في شعره وهو الشاعر عبد الرحمن الزيح رحمه الله الذي نظم تلك القصيدة وفيهم أميون لا يقرأون ولا يكتبون:
الشادن الهالكني ربدو
هلك النفوس والناس تريدو
مالو لو يرحم مريدو
ورد فحولة اللغة تلك إلي أن السودان استعصم ببيئته القاسية وظل لعقود معزولاً لا تفد إليه الهجرات فاحتفظ بأصالة ما عنده من قديم لغات العرب وطباعهم.
ويعضد قدم العربية في السودان عالم مصري آخر هو البروفسور عبدالمجيد عابدين الذي مكث سنوات عديدة في السودان خبر فيها لهجاته وعادات أهله وهو أديب وعالم من علماء العربية دّرس في كلية الخرطوم الجامعية (جامعة الخرطوم لا حقاً )كما دّرس في جامعة القاهرة بالخرطوم وأصبح مديرا لجامعة أم درمان الإسلامية سبعينيات القرن العشرين. بالقول:
” فالراجح أن السودان قد عرف الجنس العربي قبل أن تظهر الدعوة الإسلامية في بلاد العرب بعدة قرون. ومعني هذا أن الثقافة العربية الجاهلية قد عرفها السودان قبل أن يعرف الثقافة العربية الإسلامية ونقصد بالثقافة الجاهلية ما حمله العرب من عادات وعبادات جاهلية قديمة فجعلوا يبثونها في المناطق الإفريقية التي نزلوا فيها.” (عابدين، عبدالمجيد ” تاريخ الثقافة العربية في السودان” ص ٩و١٠).
وعند ظهور الإسلام تم فتح مصر علي يد عمرو بن العاص في سنة ٦٣٩ ميلادية واكتمل فتحها عام ٦٤٢م بسقوط الإسكندرية . وقد حاول المسلمون فتح بلاد النوبة (السودان الحالي) الذي كانت تحكمه ثلاث ممالك مسيحية وذلك علي يد عبدالله بن سعد بن أبي السرح عام ٦٤١ ميلادية والذي كان يحكم صعيد مصر تحت امرة عمرو بن العاص ثم أصبح والياً علي كامل مصر علي أيام الخليفة عثمان بن عفان. استعصت النوبة علي الفتح فقد كانوا حاذقين في رمي السهام حتي أطلق عليهم العرب اسم “رماة الحدق” فقد كانوا من الدقة والمهارة في الرمي بحيث يرمون حدق العيون. واضطر ابن أبي السرح أن يبرم معهم معاهدة عرفت باتفاقية (البقت )ظلت سارية لستة قرون التزم النوبة فيها بالعناية بنظافة المسجد في عاصمتها دنقلا العجوز واسراجه ليلا مما يدل علي أن الدعوة الإسلامية قد وصلت هناك قبل خلافة عثمان رضي الله عنه. نتجت عن هذه الاتفاقية تدفقات محتشمة لقبائل عربية إلي السودان . أما الاتفاقية الأخرى التي أبرمت عام ٨٥٥ م بين والي مصر وزعماء قبيلة البجاة ،فقد أدت لتدفقات لقبيلة ربيعة من نجد وقبائل الهلاليين الذين انتشروا للتنقيب عن الذهب في الفضاء الممتد بين وادي العلاقي إلي أسوان ، (ضرار صالح ضرار). لكن التدفق الأكبر الذي غير التركيبة الثقافية والعرقية قد اشتد بوصول أحمد بن طولون إلي سدة الحكم كأول مسلم غير عربي ضيق علي الجند العرب الذين كانوا في رباط عسكري دائم وكانت أعطياتهم تأتيهم من بيت مال المسلمين لأنهم أجبروا فقط علي الرباط وعدم الاشتغال بغيره حفاظاً علي جاهزيتهم للجهاد وحماية الثغور، فلما قطعت الأعطيات عنهم واشتد التضييق عليهم اتجه بعضهم إلي الشمال الإفريقي والبعض الآخر إلي بلاد النوبه . قال هارولد ماكمايكل (اداري بريطاني سابق في السودان وأكاديمي بعد ذلك) إنهم أي القبائل التي كانت فيرباط مصر، دخلوا إلي السودان عرباً خلصاً لم تخالطهم دماء أخري. ( لمزيد من التفصيل راجع كتاب هارولد ماكمايكل تاريخ العرب في السودان ص ١٦٠)وتزاوج العرب المهاجرون كما يروي ابن خلدون مع عائلات الملوك لما عرفوا من نظام التوريث لديهم حيث يتم عبر أبناء بنات وأخوات الملوك فتسنموا في ظرف قرون قليلة الملك واعتلي عرش النوبة حاكم مسلم هو عبدالله شبتمو عام ١٣٣٧م. وعبر هذه المصاهرات والتدفقات العربية الكبيرة بعد ذلك انتهت الدويلات المسيحية وقامت أول دولة عربية مسلمة عرفت بدولة سنار في العام ١٥٠٤م بعد سنوات قليلة من سقوط غرناطة في الأندلس وجاءت تدفقات جديدة لمغاربة واندلسيين وجاء معهم المذهب المالكي الذي كان سائداً هناك وقراءة ورش عن نافع خاصة في الأجزاء الغربية من السودان.

انتشار اللغة العربية:

أدي قيام مملكة سنار والتي تعرف أيضا باسم سلطنة الفونج والسلطنة الزرقاء إلي تدفق علماء من مراكز الاستنارة وقتها في العالم الإسلامي ، من الحجاز واليمن ومصر وتونس والمغرب الأقصى وحتي من الهند والسند. ورد في كتاب تاريخ ملوك سنار والحكم التركي المصري لأحمد بن الحاج أبو علي المعروف بكاتب الشونة الذي حققه البروفسور المؤرخ يوسف فضل حسن عام ٢٠١٧ أنه عندما انتصر ملك سنار بادي أبو شلوخ علي ملك الحبشة المسيحي إياس (١٧٣٠- ١٧٥٥) فرح كل العالم الإسلامي كله بذلك النصر وقصدت السودان” وفود من الحجاز والسند والهند وأهل صعيد مصر والمغرب الأقصى واستوطنوا بها.” (حاشية رقم ١٤ ص ٩٣). عليكم أن تبحثوا عن أسلافكم الذين انتهي بهم المطاف في السودان سيما وأن لدينا طريقة صوفية اسمها الهندية قيل في ترجمة سلف مؤسسها الشيخ الشريف يوسف الهندي “الذي جاء من الهند”. والجالية الهندية السودانية المعاصرة جاءت قبل أكثر من مائة عام وجلها من ولاية قوجرات كما هو الحال في شرق إفريقيا.
وكان سلاطين سنار قد شجعوا العلماء ومشايخ الدين للمجيئ للسودان وأقطعوهم الأراضي وعفوهم من الضرائب والمكوس فجاءوا من كل المراكز التي ذكرنا آنفاً وأقاموا مدارس قرآنية في كل أنحاء السودان فبدأت اللغة العربية تنتشر بين الناطقين باللغات الأخرى باعتبارها لغة دينية يتقرب بها العابد إلي الله المعبود ثم تجذرت وأصبحت لغة أصيلة إلي جانب لغاتهم الأخرى لمن تمكنوا من الاحتفاظ بلغاتهم ولم تلبث أن أصبحت وسيلة ضرورية للتخاطب بين المكونات السكانية المختلفة في البلاد والتي يطلق عليها اللفظ اللاتيني Lingua Franca هذا إن علمتم أن قبائل السودان كانت قبل انفصال الجنوب نحواً من خمسمائة قبيلة. ورغم أن عدم ملائمة المناخ المطير الاستوائي وشبه الاستوائي ووجود مستنقعات ممتدة علي مساحات واسعة في جنوب السودان ،قد شكلت حاجزا طبيعياً أمام الاندياح البشري الطبيعي مع وجود ذبابة تؤذي الماشية في تلك البقاع قد حالت دون تدفقات القبائل العربية بالقدر الذي أحدث التغيير العرقي والثقافي في الشمال، إلا أن وصول التجار وبعض الدعاة من الشماليين رغم محدودية عددهم قد ساهم في الاندياح الطبيعي الذي لا تنظمه هيئة أو مؤسسة رسمية في انتشار اللغة العربية في جنوب السودان مع محمولاتها الثقافية من اللباس العربي وغطاء الرأس والأسماء العربية . انتشرت اللغة العربية في مدن الجنوب الكبرى ومراكزه الحضرية حتي غدت العربية لغة التخاطب بين قبائله فيما عرف ب (عربي جوبا) و جوبا هي كبري مدن الجنوب وعاصمة الدولة الجديدة هناك (جمهورية جنوب السودان). وصف ذلك القس المتعصب والمنصر البريطاني (سبنسر ترمنقهام ) في كتابه The Christian Approach to Islam in the Sudan: قائلا وجدنا ” أسواق واو والمدن الجنوبية قد تحولت إلي أسواق كأسواق الشمال تماماً بفعل التجار (الدناقلة) ” يعني الشماليين. يريد بذلك اللغة المتداولة واللباس العربي والمأكولات وما إلي ذلك من شارات الثقافة العربية الإسلامية السائدة في شمال السودان.
لذلك كان من أول قرارات الاستعمار البريطاني الذي قضي علي الدولة المهدية، دولة السودان المستقل، هي أن أصدر قانوناً عرف بقانون (المناطق المغلقة) أي المغلقة في وجه السودانيين الشماليين حملة اللغة والثقافة العربية والإسلامية خوفا بزعمهم من غلبة الثقافة العربية علي تلك الثقافات المحلية للحفاظ عليها . تم طرد السودانيين الشماليين من الجنوب وجيء بتجار يونانيين ليحلوا محلهم ومنع التسمي بالأسماء العربية وأصبح لزاماً علي الشمالي إذا رغب في الذهاب إلي جنوب السودان الحصول علي تصريح من السلطات الاستعمارية. ورغم أن الحجة كانت هي حماية الثقافات المحلية إلا أن السلطات فتحت المجال واسعاً للإرساليات المسيحية من كل أنحاء العالم المسيحي للعمل في الجنوب وتولي مهام التعليم فيه، فكرست تلك الإرساليات الكراهية للعرب الشماليين وأنهم تجار الرقيق متناسية تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلنطي التي ابتدرتها بريطانيا نفسها. (يوسف فضل حسن The Sudan Handbook 2011 p.56). ولما وجدت أن كل تلك التدابير لم تنجح في منع انتشار العربية بين القبائل الجنوبية، عمدت إلي عقد مؤتمر الرجاف عام ١٩٢٨ الذي حرم تعليم اللغة العربية، علق علي ذلك القس المتعصب (سبنسر ترمنغهام ) في كتابه المذكور آنفاً:
” لولا ذلك لما وقف شيء في طريق انتشار الإسلام في القارة.”

تضافر الجهود الأهلية والرسمية في نشر اللغة العربية للناطقين بغيرها:

استشعاراً من السودانيين بمسؤولياتهم باعتبارهم أدخل المتحدثين بالعربية إلي قلب القارة من الناحية الجغرافية ،مقارنة بإخوانهم في العالم العربي ولحقيقة أنهم يحملون الثقافتين فقد تنادوا كما سنري للقيام بهذه المهمة وسارعت لعونهم في تحقيق ذلك الهدف هيئات وحكومات وفضلاء من الموسرين في البلاد العربية لتحقيق تلك الغاية النبيلة.

المركز الإفريقي الإسلامي : تأسس بمبادرة أهلية كريمة من علماء مشهورين يحظون بتقدير واحترام كآفة السودانيين هم العالم ومفتي الديار الأسبق الشيخ عوض الله صالح والشيخ محمد هاشم الهدية رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية والبروفسور كامل الباقر أول مدير لجامعة أم درمان الإسلامية والبروفسور يوسف العالم رحمهم الله جميعاً وأجزل لهم الثواب، قاموا بجمع التبرعات وأسسوا مركزا صغيراً في أمدرمان لتعليم الوافدين من أبناء دول الجوار الإفريقي الذين لا يتكلمون اللغة العربية ولا يجدون فرصاً للتعليم في بلادهم. ثم دعمت ست دول عربية مسعي السودان الرسمي لتأسيس المركز وتطويره علي عهد الرئيس جعفر نميري ووزير التعليم الدكتور منصور خالد، رحمهما الله ، وهي المملكة العربية السعودية، المملكة المغربية، جمهورية مصر ، دولة الكويت، الإمارات ، فقام المركز وخصصت له بناية فخمة في جنوب الخرطوم وبدأ بداية قوية حتي تحول بعدها في عام ١٩٩٠ إلي
جامعة إفريقيا العالمية :التي تضم اليوم٢٢ كلية في مختلف التخصصات بعدد طلاب فاق الخمسة عشر ألفاً بنين وبنات ٧٥ ٪ منهم وفق نظام الجامعة الأساس من إفريقيا الناطقة بغير العربية ومن ٨٥ دولة أخري حول العالم حيث تدرس كافة المواد في الطب والهندسة والجيولوجيا وهندسة البترول بالإضافة للعلوم النظرية باللغة العربية. وقد تخرج حتي العام ٢٠١٧ نحو ٣٥ ألف طالب من إفريقيا وحدها منهم الآن وزراء وحكام ولايات ومدراء بنوك يحسنون العربية نطقاً وكتابة. بالإضافة إلي ما تقدم فقد أسست الجامعة عدداً من الكليات في عدد من الدول الإفريقية تابعة لها بغرض نشر العربية وآدابها لا سيما وأنها كانت لغة المكاتبات الرسمية والعلوم والثقافة في القارة قبل اجتياجها من قبل الدول الأوروبية بما عرف بالتدافع نحو إفريقيا.Scramble for Africa
وأقول بحكم عملي السابق عميدا لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ولاحقاً عميدا لكلية الاعلام بجامعة إفريقيا العالمية، إنه بحكم أن الجامعة تعتبر في طليعة أهدافها نشر اللغة العربية بين الأقليات المسلمة في القارة مع تزويدهم بالمهارات التطبيقية في الطب والهندسة والإدارة وغيرها بحيث يصبحوا إضافة لمجتمعاتهم في أقطارهم مما يسهل ادماجهم هناك وقبولهم كقوة منتجة وفاعلة وبما يسهم في رفع احساسهم بالتهميش والغبن فتقوي اللحمة الوطنية في بلدانهم بما يعين علي الاستقرار هناك، فقد أسست الجامعة كلية قائمة بذاتها للغة العربية التي كانت قسماً في كلية الآداب وأسست قسما مختصاً فيها لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها وخريج هذا القسم ينال قسطاً وافراً ” من علم اللغة الحديث واللغويات التطبيقية فيؤهله ذلك ليكون مدرساً ذا مهنية عالية. والطلاب الذين يتخرجون من هذا القسم ومن قسم اللغة العربية العام تتاح لهم فرصة التوظيف المؤقت في الجامعة لمن أراد أن يستمر في قسم الدراسات العليا للتحضير للماجستير والدكتوراه وتدفع له رسوم الدراسة علاوة علي راتب معقول يعينه علي المعيشة وبذلك يجمع الطالب بعد تخرجه بين العلم النظري والتدريب العملي وفرصة التدريب متاحة لخريجي الكليات الأخرى النظرية والعملية وهذا نابع من فلسفة الجامعة في نشر العربية إذ تري أنها مسؤولية كل من يعرفها مهما كان تخصصه. (أنظر في مقالتنا في موقع مقامات. نت maqamaat.net “تلكم الجامعة التي عرفت.”)
قد يبدو غريباً أن ( بكالوريوس علم اللغة التطبيقي) بدأ في الصين بموجب اتفاقية أبرمتها الجامعة مع معهد نينيغشيا تسمي اتفاقية (2+3) يقضي الطلاب بموجبها ثلاثة أعوام في الصين وعامين في جامعة إفريقيا العالمية في السودان . والطلاب الآن علي وشك التخرج. ويجري حالياً تباحث مع جمهورية كوريا الجنوبية للتدريب في ذات المجال علماً بأن دولا مثل اثيوبيا ترسل فرقا رسمية مدنية وعسكرية للتدريب علي تعلم العربية للناطقين بغيرها وخلال عملي هناك أرسلت وزارة الخارجية الإيطالية اثنين من دبلوماسييها لتعلم العربية في مقابل فقط إعطاء دروس لمن يتعلمون الإيطالية في كلية الألسن بالجامعة واحتفلت بتخريجهما سفارة إيطاليا في الخرطوم.
ومن مناهج الجامعة في التعليم في هذا المجال:
– إقامة الدورات الطويلة والقصيرة داخل السودان وخارجه لتدريب المعلمين في تعليم العربية لغير الناطقين بها خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء.
– تدريب العاملين في المجالات ذات الصلة باللغة العربية كمجال الإعلام والمجال الدبلوماسي. وبالفعل تخرج طلاب في مجال الاعلام تدربوا في إذاعة وتلفزيون كلية الإعلام علي البث باللغة العربية كما تخرج دبلوماسيون يتقنون العربية يمثلون بلدانهم في دول عربية.
– إعداد البحوث في مجال دراسة العربية وتدريسها.
– تحقيق مخطوطات التراث العربي في المماليك الإسلامية في إفريقيا جنوب الصحراء وهي مخطوطات تعد بالألوف مكتوبة بالعربية.
في ذات سياق الاهتمام بالعربية، تأسست كلية البروفسور يوسف الخليفة أبوبكر في جامعة إفريقيا العالمية لكتابة اللغات الإفريقية بالحرف العربي الذي كانت تكتب به قبل مجيء المستعمرين وصدرت العديد من الكتب بتلك اللغات مكتوبة بذلك الحرف من بينها من خارج إفريقيا اللغة التركية.

معهد الخرطوم الدولي للغة العربية

في العام ١٩٧٢ طلبت الحكومة السودانية من المنظمة العربية للثقافة والفنون والعلوم (اليونسكو العربي) التابعة لجامعة الدول العربية العون في تأسيس معهد متخصص في تدريس العربية للناطقين بغيرها بغرض التوسع في التعليم في مناطق من السودان ناطقة بغير العربية فاستجابت المنظمة للمقترح وتم تأسيس معهد الخرطوم الدولي للغة العربية وتم توسيع مجاله بحيث يشمل كل البلاد الأخرى والمسلمة علي وجه الخصوص. وتم تأسيس المعهد في الخرطوم وبدأ نشاطه في العام ١٩٧٤ وجعل هدفه الأساس إعداد اختصاصيين في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها وأن يكون المتخرج منه قادراً
– علي تصميم النصوص المتدرجة المستويات وتأليف الكتب ووضع المناهج.
– استخدام طرق التدريس المختلفة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها
– اختيار الوسائل التعليمية وانتاجها واستخدامها.
– تدريب المعلمين وتأهيلهم وإعدادهم للإشراف والتوجيه في مجال تعليم اللغة للناطقين بغير العربية، كذلك اجراء البحوث.
ويمنح المعهد دبلوما و كذلك درجة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه . وقد تخرجت فيه أعداد كبيرة من السودانيين استقطبتهم الجامعات السعودية التي أسست أقساماً في كلياتها لتعليم العربية للناطقين بغيرها مثل جامعة الملك عبد العزيز وجامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة المدينة المنورة وكلية الملك عبد الله معلمين فيها وفي تأسيس مراكز لتعليم العربية للناطقين بغيرها في اليابان واندونيسيا والفلبين وغيرها. وتقلد أحد خريجي المعهد عمادة كلية اللغة العربية في جامعة إفريقيا العالمية وعلي أيامه تأسس قسم العربية للناطقين بغيرها.

حول المنهجية والتقنية:

المنهجية المتبعة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في السودان تقوم علي ساقين: الدراسة النظرية في تعليم أساسيات اللغة ثم تدعيمها بالتجربة العملية في التخاطب مع الناس بها والخطابة والالقاء .وتتوفر في القسم الخاص بذلك في جامعة إفريقيا السبورات الذكية كما أن القسم علي متابعة لصيقة بالتقانات المساعدة في تعليم اللغات علي امتداد العالم الفسيح و في كافة اللغات. وكان معهد الخرطوم الدولي قد عقد مؤتمرا في العام ٢٠١٠ تحت شعار: استخدام الوسائل الحديثة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها شارك فيه من الهند الدكتور علي لياقت رئيس قسم اللغة العربية في كلية مهراجا في ولاية كيرالا وقدم فيه خلاصات ما انتهي إليه في كتابه ،( الوسائل الحديثة في تعليم اللغة العربية.

المعهد الإسلامي للترجمة بالخرطوم:

كذلك دعمت منظمة التعاون الإسلامي قيام المعهد الإسلامي للترجمة وجعلت مقره الخرطوم قريباً من جامعة إفريقيا العالمية ومعهد الخرطوم الدولي. وهو يمنح البكالوريوس والدبلوم العالي والماجستير وهو يخدم قضية اللغة العربية بطريقة غير مباشرة عبر الترجمة إلي العربية.

منظمة الدعوة الإسلامية:
وهي منظمة قامت بمبادرة من السودانيين لكن سرعان ما تبنتها الدول العربية والإسلامية فأصبحت تتمتع بصفة المنظمة الدولية وقد جعل مقرها الخرطوم لما ذكرنا من معرفة العرب والمسلمين بالقبول الذي يحظى به السودان والسودانيون في العالمين العربي والإفريقي ولخبرة السودانيين في التعامل مع أشقائهم الأفارقة وظلت مقراً له حتي العام ٢٠٢٠ . وقد قامت بجهد كبير ببناء المساجد والمدارس الإسلامية التي تدرس العربية للناطقين بغيرها علي امتداد قارة إفريقيا ولعل مراكزها أتاحت لخريجيها الالتحاق بالمعاهد العليا والجامعات التي تدرس بالعربية في البلاد العربية.
تجدر الإشارة إلي أن الكثير من الجامعات السودانية تستقبل آلاف الطلاب والطالبات من دول إفريقيا المختلفة للدراسة في كافة التخصصات وأن التدريس في كل الجامعات باللغة العربية.
ولا تزال الجماعات الدينية والطرق الصوفية تستقبل أعداداً مقدرة من أبناء إفريقيا لحفظ القرآن الكريم و تعلم العربية والعلوم الإسلامية بما يسهم في نشر العربية في القارة.
وفي الختام أشكر لكم دعوتكم لي وأقدر حسن ظنكم متمنياً لكم النجاح في خدمة اللغة العربية في هذه الولاية ، ولاية تاميل نادو وهي عريقة في علاقاتها بالعالم العربي وظلت إلي جانب جارتها ولاية كيرالا جسر تواصل دائم بين بلاد العرب وبلدكم العظيمة، الهند ،متمنياً لجامعتكم وللكلية الجديدة دوام التوفيق والنجاح والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تعليقات الفيسبوك