قراءة فى صعود التيار السلفى فى مصر

كتب( ديفيد كيركباتريك ) بمعاونة السيدة (مى الشيخ ) مقالة فى يومية “نيويورك تايمز ” نُشر فى توأمتها الدولية واليومية أيضاً “الهيرالدتربيون” عدد الأثنين 12 ديسمبر الجارى 2011 تتناول بالتحليل النتائج الكبيرة وغير المتوقعة الى حققها التيار السلفى فى الانتخابات التشريعية التى تجرى حالياً فى جمهورية مصر العربية والتى تشير الى تزايد نفوذ هذا التيار فى مصر على حساب تيارات ليبرالية وإسلامية ظل الإعتقاد راسخاً لبعض الوقت أنها تتقاسم ولاء الشارع المصرى. وخلاصة المقالة تقول إن التيار السلفى يعتبر نفسه الممثل والمعبر عن الطبقات الشعبية الفقيرة التى تعيش فى قلب أو أطراف المدن الكبرى المصرية وأن ما حققه من مكاسب لايمثل تحولاً فى المجتمع المصرى تجاه سلفية دينية متزمتة بقدر ما يعبر عن خيبة أمل الطبقات الشعبية الفقيرة فى التيارات المنبثقة عن الطبقة الوسطى المصرية الليبرالية منها والاسلامية مثل جماعة الاخوان المسلمين وأن أعداداً معتبرة من جماهير تلك الطبقات الشعبية باتت تجد فى التيار السلفى ضالتها فى فك إحتكار أولئك التحدث باسمها واسم المصريين قاطبة. يبتدر كاتب المقالة حديثه بهذه العبارات:
“الناخبون الذين جاءوا لحضور تظاهرة سياسية لشيوخ يعدون فى التيار الأوغل مدى فى الخط المحافظ من الإسلام , قد يكونون قد توقعوا سماع دعوة قوية لإقامة نظام حكم إسلامى متشدد يمنع معاقرة الخمور ويفرض مزيداً من القيود على لباس النساء كما يدعو لقطع أيادى السارقين. لكن الذى استمع إليه بضع مئات من الرجال كانوا قد تجمعوا فى بعض أزقة تلك القرية القريبة من القاهرة , كان أمراً مختلفاً: كان فى الحقيقة هجوماً ضارياً على النخبة الليبرالية المصرية , ذلك الهجوم الذى ينطبق على تيارات إسلامية أخرى أيضاً. يقول الشيخ شعبان درويش عبر مكبرات الصوت: يعتقدون – أى أفراد تلك النخب- أنهم هم وهم وحدهم من يمثلنا ومن يتحدث باسمنا. إنهم لايأتون الى هنا إلى شوارعنا, إنهم لا يعيشون فى قرانا حيث نعيش, إنهم لا يتجولون فى حوارينا , لآ يلبسون ما نلبس ولا يأكلون الطعام الذى نأكله ولا يشربون المياه الملوثة التى نشرب ولا يعيشون فى مجارى الصرف الصحى كما نعيش ولم يعانوا تجارب البؤس والشقاء التى يعانى منها الناس هنا.”
“أيها الاخوة نحن السلفيين , من أسسوا حزب النور جزء من الأغلبية الصامتة فى هذا البلد.”
تقول المقالة: إن الحراك الشعبى العريض الذى أودى بنظام الرئيس حسنى مبارك قد رفد النمط الجديد للشعبوية الدينية لحزب النور بطاقة جديدة مكنته من الاستحواذ على عشرين بالمائة من أصوات الناخبين المصريين فى الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية بالقدر الذى فاجأ المحللين المصريين والدبلوماسيين الأجانب على السواء. ولقد تجاوز التيار السلفى الليبراليين ليصبح المنافس الرئيس لجماعة الاخوان المسلمين التى حصل حزبها , “العدالة والحرية “على نحو 40% فى ذات الانتخابات أو ربما شريكها المحتمل فى قيادة البرلمان القادم. وفى ظل هذه النتيجة فإن الليبراليين المصريين والاسرائيليين وبعض المسؤولين الغربيين قد حبسوا أنفاسهم تخوفاً من أن تتمخض الثورة المصرية وببطْء عن إعادة لسيناريو سقوط شاه إيران عام 1979 : انتفاضة شعبية تنبثق عنها ثيوقراطية محافظة. ولما كان الأمر لم ينته بعد إذ لا زالت هناك أكثر من جولة إنتخابية تنتظر الناخبين ستحدد النتيجة النهائية للحصاد الانتخابى , فإن الحكام العسكريين قد شرعوا فى توظيف إحتمال وصول السلفيين إلى السلطة لتبرير أحقيتهم فى وضع الدستور الجديد. وتستطرد المقالة فى القول إن اثنين من الليبراليين منهم الأستاذ بدرى فرغلى من اليساريين الفائزيين فى الجولة الأولى إنهم يفضلون حكم العسكر على حكومة إسلامية متشددة. وتنسب المقالة للسيد فرغلى قوله “إنه سيقف الى جانب المجلس العسكرى ” الحاكم حالياً فى مواجهة حكم الاسلاميين المتشددين.
وتذهب المقالة الى القول إن الفحص الدقيق لحملات التيار السلفى الانتخابية يلحظ أنها حملات رفض وغضب من النخبة المتنفذة أكثر منها برامج دينية محددة المعالم تهدف لإقامة نظام حكم إسلامى ذلك لأن هذا التيار ليس سوى تحالف عريض وفضفاض لعدد من الشيوخ وليس حزباً ذا خطاب وخطة متكاملة واضحة المعالم .ورغم أنهم جميعاً لا يخفون رغبتهم فى إقرار نظام حكم يطبق القوانين الاسلامية مثلما فعل الرسول (ص) فإنهم ليسوا على قلب رجل واحد فيما يعنون بتحقيق تلك الرغبة. بعضهم يرغبون خلال سنوات قليلة رؤية القوانين الاسلامية تطبق على السراق بقطع أيديهم بينما يرى آخرون التدرج فى ذلك والإنتظار حتى يتمكنوا من إعادة توزيع الثروة فى مصر بحيث لا يبقى فيها معدماً لايملك قوتاً ومسكناً.
تقول المقالة إن السلفيين قد تفردوا من بين كافة الأحزاب الرئيسة فى مصر بتبنى الرفض الشعبى للرأسمالية التى تمددت فى عهد حسنى مبارك ويبدو خطابهم أحياناً كالصدى لوصف الرئيس نيكسون لخطاب الحركة اليمينية فى الولايات المتحدة وقت ذات , بصوت” الأغلبية الصامتة” .ولتلك شبيهات فى أوروبا الغربية. يقول الباحث فى مركز بروكنز فى الدوحة سعيد شادى حامد فى وصف السلفيين فى مصر: ” إننا نتحدث عن خطاب رفض تتبناه الأحزاب اليمينية فى كل مكان.” إنهم أتوا من رحم الهوة التى تفصل بين غالبية المصريين والنخبة هناك بما فى ذلك قيادة الاخوان المسلمين. والهوة السحيقة هوة فى الرؤى وفى نمط الحياة تفصل بين تلك النخبة و بين السواد الأعظم من المصريين. ” إنهم يشعرون أنهم يمثلون قطاعاً معتبراً فى مصرومع ذلك لا يجدون من أحد أى نوع من الإحترام” يتناسب مع ما يمثلون.
تقول المقالة إن الكثيرين من الناخبين وبعضهم لا يشاطرون السلفيين طروحاتهم التطهرية الأخلاقية , يثقون فى أن شيوخ التيار يدركون تماما رؤاهم ومطمحهم فى تحقيق الملموس.
يقول يحيى السيد (41 عاماً يعمل موظفاً فى إحدى مدارس بورسعيد) معلقاً على جهود مشايخ هذا التيار الخيرية فى الأحياء الفقيرة: ” إنه قد سبق لهم خدمة الناس لذلك فإنه من المنطقى بأنه سيكون فى مقدورهم وهم أعضاء فى البرلمان أن يخدموا الناس أكثر.”
وتشير المقالة الى منافسة هذا التيار لتيار الاخوان المسلمين بالقول إن الاخوان ينتمون فى غالبيتهم إلى الطبقة الوسطى وعندما يخاطبون الطبقات الفقيرة فإنهم يذكرونها بجهودهم ومبادراتهم الخيرية لمساعدتها لكنهم “قلما يتحدثون الى تلك الطبقات الفقيرة عن كونهم جزءاً منها.” ويعلق على ذلك الطبيب علاء البهائى وهو أحد قيادات التيار السلفى بالقول:” إن الأحزاب الأخرى تتحدث – أى الى الطبقات الفقيرة- من عل بينما نحن هناك موجودون فى قاع تلك المجتمعات!”.
وتقتبس المقالة عبارات تصالحية لأقطاب هذا التيار مع العصر وبقية المعتقدات وردت على لسان الشيخ درويش فى ليلة سياسية فى ضاحية شبرامانت الفقيرة وتؤكد كذلك تبرم الطبقات الفقيرة المعدمة من التهميش وقلة الاحترام. يقول الشيخ درويش :إن الدستور والانتخابات والتمثيل النيابى بضاعة إسلامية أخذها الغرب وقام بتغليفها وتعليبها وأعاد شحنها للمسلمين. وتحدث عن الحريات الدينية للجميع “مسلمين كانوا أو يهوداً أو نصارى.” ثم انبرى يهاجم الاعلام المصرى الذى وصفه بأنه ” لا يستحق أن يسمى مصرياً.” ثم توجه للنخب من سكان أحياء القاهرة الغنية بكلمات قاسيات. قال إنهم يظنون أن صوت الواحد منهم يعدل مائة من أصوات الناخبين فى ضاحية شابرامانت الفقيرة وكأنهم يقولون بلسان الحال: ” هل يساوى صوت الحاصل على درجة الدكتوراة صوت الحاصل على الثانوية العامة؟” ثم اتجه إلى مستمعيه: ” يا شعب مصر هل تقبلون بذلك؟ هل بينكم شخص واحد يقبل مثل هذه الإهانة؟”
ويكتسب تحليل المقالة شيئاً من المعقولية فى أن صعود هذا التيار المحافظ , صرخة شعبية رافضة للهيمنة والتهميش النخبوى أكثر من كونها حماسة تندرج فى سياق الهوس الدينى الذى يروم هدم المعبد بكامله واستبداله بآخر وذلك من خلال كلمات الشيخ درويش التاليات عن النخبة فى بلده:
” هؤلاء الناس لا يعيشون بيننا. إنهم لا يعبرون عن آلامنا وآمالنا وسيسعون لإستنساخ نظام جديد بخلاف نظام مبارك ورجالاته ولكن بذات الفلسفة , بذات الديمقراطية المعيبة وذات الرأسمالية المعيبة أيضاً وذات الليبرالية الشائهة. إننا بعد هذه الثورة لن نرضى بغير تغيير حقيقى.”
وبعد… فالأشقاء فى شمال الوادى وأرض الكنانة أدرى بشعاب أم الدنيا منا كما أن لنا فى جنوب الوادى من الهموم والشواغل ما يجدر بنا الإلتفات إليه . لذا فإن إشراك القراء فى هذه المقالة لا يندرج فى سياق حشر الأنف فى شؤون بلد شقيق بل أستهوتنى محاولة المقالة الغوص فى سوسيولوجية الفقر والإفقار وتعبير الظاهرة عن نفسها وفق السياقات الثقافية السائدة فى البيئات المختلفة. ألا تبدو لكم عبارات الشيخ درويش وكأنها صدى لخطب مالكم إكس النارية أكثر منها من أوصاف الرئيس نيكسون؟ ألم ينحاز قطاع من قساوسة الكاثوليك فى أمريكا اللاتينية خلال حقب خلت لأشواق شعوبهم؟ لقد تمكن رئيس البرازيل السابق (لولا) من إخراج ثلاثين مليون نفس من بنى وطنه من دائرة الفقر والإعانات إلى رحاب الإنتاج والكرامة الإنسانية. هذا جهد إنسانى عظيم ومثال يحتذى فى تحقيق السلام الإجتماعى ودالة أصدق من كل دالة على طفرات فى التنمية الحقيقية.

تعليقات الفيسبوك