عابر خليج! – 7

وحال الحول كاملا على أصحابنا وهم يحلقون بأجنحة الخيال فى فضاءات النساء والعيون السود وألوان العسجد والليمون والبرتقال والمانجو أيضا! كيف لا و تلك الوان أقواس قزح المحببة جميعا لأهل السودان ( من دون فرز) على ما بينها من التناقض وبعد الشقة ورحابة المساحات. وتلك مزية فينا أهل السودان لنا لاعلينا بلا جدال, عسى أن نجعل من هذه الأريحية فى تقبل هذا التعدد فى دنيا الأذواق على ما بينها من التباعد قبولا لشتات أعراقنا وسحناتنا ورؤانا فى الفكر والسياسة يرى كل منا من موقعه حيث كان فى( نسناسه) ظبية نافرة ( وصيدة ولجناها فاردى) وصلاة النبى عينى باردى! حينئذ فقط يسود الوئام ويدرك الناس ضرورات التعايش مع الاختلاف ومعنى العيش فى وطن يتعدد كل يوم! ألم يقل صاحب اليتيمة التى مطلعها:
هل بالطلول لسائل رد أم هل لها بتكلم عهد
وهو يجد فى تعدد الأشياء والألوان والسحنات (كل الجمال):
فالوجه مثل الصبح مبيض والفرع مثل الليل مسود
ضدان لما استجمعا حسنا والضد يظهر حسنه الضد!
لله دره من مجيد.ولله دره ثانية وهويردد النسيب ثم يعيده فى (كاسرة أضلاعه) حبية قلبه:
وجبينها صلت وحاجبها شخت المخط أزج ممتد
وكأنها وسنى اذا نظرت أو مدنف لما يفق بعد
بفتور عين ما بها رمد وبها تداوى الأعين الرمد
وتريك عرنينا به شمم وتريك خدا لونه الورد
فجبينها ناصع لا تكدر صفاؤه شائبة وحاجبها مستدق فى طول واذا أنعمت عليك بنظرة فبعيون فاترة الطرف (وسنى- بألف مقصورة) أو كأنما تنظر بعيون مريض لم يبرأ من عشه! وعيونها الناعسة الفاترة الطرف ليس عن رمد وانما توصف لمن يعانى منه ليشفى! ثم يشكو هذا (الممكون) الصبابة وهى داء ليس دواؤه الا الموت:
ان لم يكن وصل لديك لنا يشفى الصبابة فليكن وعد
قد كان أورق وصلكم زمنا فذوى الوصال وأورق الصد
ثم يشكو المسكين الذى يشكو منه أهل الاخلاص فى كل زمان ومكان وفى كل ما كان من شأن: مجازاة الاحسان بالاساءة:
واذا المحب شكا الصدود فلم يعطف عليه فقتله عمد!!
وكان حظ شاعرنا الأديب الكاتب كامل عبد الماجد أوفر حتى ( المطيرق) ظلت بجانبه وما (راحت) كما أضاعها فحل البطانة الضخم فقد ظفر الكامل بمبتغاه والدنيا انقسمت فعلا لا مجازا:
بعد الودار
الضقتو فى سنوات ضياع
راحت سدى
زولى القبيل راجيهو
جانى فرحت لى آخر مدى
جاب الفرح والرقة لى
جاب لى خطاى الشاردة
ونستعير عبارة الراحل( مالكولم اكس) تعليقا على النهاية السعيدة لقصة الشاعر الصديق كامل بأن هذه النهايات السعيدة قلما تحدث فى واقع الحياة ولا حتى حين يحاكيه الخيال فى مركز صناعة (الخيالة) فى هوليوود! قالها مالكم معلقا ومنتقدا نهج الدكتور مارتن لوثر كينج فى العصيان المدنى بلا عنف مشيرا الى أن كافة الثورات العالمية كانت دموية . قائلا : لآ توجد ثورة بلا عنف حتى فى هوليوود! (مقر صناعة السينما الأمريكية.
واستبد أمر التزويج والتبعل بأصحابنا ايما استبداد ونسوا حظا مما تذاكروا به من ألوان (النضالات ) الأخرى ورددوا بلسان الحال مع العاشق العذرى جميل بن معمر:
يقولون جاهد ياجميل بغزوة فقلت وأى جهاد غيرهن أريد
لكل حديث بينهن بشاشة وكل قتيل بينهن شهيد
ولما غزت قوات من الجبهة الوطنية فيما عرف بالمرتزقة الخرطوم وأمسكت ب(زمارة رقبتها) لكن بقبضة متراخية وقلوب شتى وأهداف تشتت, تحلقوا على سطح منزل يستمعون من مذياع خفيض الصوت يصارع بمشقة أمواج الأثير ليحمل الى مسامعهم صوت الرئيس السابق جعفر نميرى بعد أن استعاد سلطته على الدولة يتوعد فى غضب جحافل (المرتزقة) بالويل والثبور وعظائم الأمورمفتتحا حديثه بآية من الذكر الحكيم ” ان الذى فرض عليك القرآن لرادك الى معاد” توجسوا من أن يؤخذ السليم بجريرة السقيم وأن يصيب الهرج أبرياء بسطاء فتسيل دماءهم هدرا. والهرج فى اللغة معناه القتل!
ذلك الانشغال لم يدم الا بمقدار ما تدوم سكتة فى قراءة قارىء متمكن أو مثلما يستغرق رسم فاصلة( شولة) فى كتابة وانصرف بعدها الفتية الى لغو ماهم فيه عامهم ذاك شحذا لقواهم لاقتحام أقفاص الزوجية. وكان لا بد لهذه التعبئة الذاتية التى استغرقت عاما بكامله أن يتبعها عمل. استعانوا بقلة من المتزوجين فاقتحموابزوجات أولئك الأسواق الزاخرة بكل جديد بدءا برسالة لندن المطرزة الى بسط المخمل التى حلت محل ( السباتة ) ذاك البرش الجميل الذى كانت الأمهات يصنعنه بأنفسهن ليوضع على الفراش فلا يصيبه دهن العطور البلدية النفاذة والدلكة وضريرة المحلب. ذلك العالم الساحر الزاخر الذى كان يذوب سكرا فى غمار الدلاليك كان قد بدأ يذوى ويتسلل خارج حياتنا الى العدم . تبضعوا بالشيلة متفننين فى ألوان القماش الفاخر وأنواع العطور الجديدة التى بدأت تزاحم يومئذ الصاروخ بعلامة الببغاء وفلير دامور وسوارغ دو باريس وريفدور وبت السودان مما كان يصنع منه ذلك البخور الحسن. قال لى صديق من شمال الوادى تعجبه العطور السودانية ” لو اتقدت قريحتكم وصحت عزيمتكم لنافستم باريس فى صناعة العطور!” وعلمت قبل أيام أن أناسا من غير هذا البلد قد سطو على هذا الارث دون أن يمنحوننا شهادة معنوية بأن أصل المنتج من السودان. ترى كم يستغرق سباتنا العميق من الحقب والأزمان؟!
سافر أصحابنا الى السودان حيث مكثوا شهرا كاملا يبحثون عن بنت الحلال مستعينين بالشقيقات والخالات والعمات والجارات أيضا فلم يكن فى حسبانهم الاقتران بقريبات جاهزات مجهزات لتلك الزيجات منذ زمن فقد شبوا فى الحواضر واستعصوا شيئا ما على سطوة الأهل التقليديين. غشيوا الأندية والرحلات وطرقوا أبواب الجامعات وعادوا جميع من حيث أتوا بلا شريكات. ووزعت الشيلة على الأخوات والقريبات وبعض الجارات. قال أرصد مازحا ان قريبا له أصابه ما أصابهم من الفشل فى العثور الشريكة المطلوبة فشكا حاله لقريبة لهم لم يكن قد فكر فى الاقتران بها. قالت كيف تقول ذلك والنساء كثير؟ قال بتلقائية ودون تفكير” زى منو يعنى؟” قالت الحسناء : ” زى أنا ونحن وكلنا” لم تجاوز نفسها التى بين جنبيها قيد أنملة فكانت صاحبة النصيب. ذلك شبيه بمقالة رجل ممتلأ بنفسه زعم أن اقليمهم فى السودان هو موطن الشجاعة فى العالم لا توجد فى مكان سواه ونحن موسوسون فى كثير من الأحيان بهذا النوع من التفكير كأننا مركز الكون: أكبر .. أفخم… أوسع فى افريقيا والعالم العربى بل والعالم!! ما أغنانا من مثل هذه الدعاوى الفجة! قال الرجل ” الشجاعة فى … وهناك فرقان فرقان.. وفى الفرقان فريقنا وفى فريقنا نقتسمها أنا وخالى .. خالى تهبش النار ما تهبشو.. أما أنأ هى. هى. صد لى نارك!” فهو اذن أشجع رجل فى العالم. ما أحوجنا لأمثاله نرد بهم غائلة العدوان!!
صدقونى لقد عادوا جميعا خالى الوفاض. عجيب أمر هؤلاء لكأنما اقترنت أقدارهم ومصائرهم اقترانا لا فكاك منه . فقد خرجوا من السودان بظروف متشابهة وفى أوقات متقاربة ثم اهتدوا بعد هذا الفشل الى زيجاتهم ذات العام. لقد أمضوا عامهم ذاك يجترون النوادر والطرف التى وقعت لهم فى خضم مسعاهم الكليل الذى لم يصادف نجاحا. لكنهم فعلوها فى العام الذى تلى ذاك أزواجا فرقوا( جيناتهم) على قبائل السودان. وتفرقوا فى أحياء المدينة الكبيرة يأسسون لأسر جديدة وظل بيتهم القديم مثابة لكل وافد يلتقت فيه أنفاسه حتى يقيض الله له عملا وظل كذلك على مدى عقد كامل من الزمان. دامت زيجاتهم جميعا حتى الساعة ورزقوا البنين والبنات بل غدا بعضهم جدودا بأحفاد وحفيدات. كانت الكلفة مرفوعة كما يقولون بين أرصد واصيفر بحكم عشرة اقدم فى حجرات الدراسة وتساكن سابق فى الخرطوم. قدم أرصد صديقه اصيفر يعرف زوجته به. لم يتورع اصيفر ولم يفكر فى اختيار الكلمات بل قال بعد أن صرف بصره عن العروس على الفور لصاحبه :” لست درويشا كما تبدو.. لم تقع أرضا” فرد أرصد بابتسامة :” كيف يصوم مثلى الدهر كله ليفطر على بصلة!”
وعاش الفتية ولا يزالون وهم شيوخ فى سبات ونبات .. نرجو لهم طول العمر فى الطاعة وفعل الخيرات حتى اذا بلغهم هادم اللذات وهازم المسرات أقبلوا عليه بصحائف لم تقارف كبائر الذنوب . ولا ننهى هذه السلسلة بعبارات جداتنا الحبيبات ” شنطت .. ق…..” ولكن نقول الى لقاء.

تعليقات الفيسبوك