قالوا قديماً ( الأسماء لا تعلل) أي لا يجب أن يكون في المسمى أمر يوجب هذه التسمية ، فيكون هذا الأمر علة التسمية ، بل قد يوجد ، وربما لا يوجد. كقولك لصاحبك لم سميت ولدك أحمدا لا محمدا مثلا أو زيدا لا قيس ونحو ذلك. والأسماء ضرورية للتمييز بين إنسان وإنسان وشئ وشئ آخر. وهي قمة المعارف اللازمة للعمران وقد زود الله بها أبو البشر آدم عليه السلام.
لكن الأسماء تتأثر بالجغرافيا والتاريخ وبهما تتأثر الثقافات وبجماع ذلك كله تنفعل الأسماء فتعكس ذاك المزيج، فأسماء كصخر وحجر وصفوان وديب وفهد وأسماء طيور جوارح كصقر وباز وشاهين أشبه بالصحاري القاحلات تتميز الحياة فيها بالقسوة التي تحتاج للجهد المضاعف لمغالبة الصعاب حيث يقل الموجود من أسباب العيش فينهض للدفاع عنه أقوياء أشداء في صلابة الجلاميد والصخر وحدة بصر النسور يذبون عن الحمي يدفعون بعيدا عنه سراقاً قتلة نهابين ومغتصبين يجتاحون الدور عند الصباح الباكر أو في عتمة الليل والناس نيام.
فال جميل بن معمر : نحن منعنا يوم أول نساءنا
ويوم أفي والأسنة ترعف !
وهنا ربما كان الاسم الغليظ الخشن دريئة من جور أولئك اللئام. ونذكر القول في العامية السودانية لذات الغاية: ” أنا الشين أنا الكعب، أنا ال…) كأنه يحذر من التعرض له بما يثير غضبه.
أو أراجيزهم في التخويف من فارسهم المغوار بأنه كالسم النقوع أو الجدري الذي سبق التطعيم من الداء القاتل ,( يا الجدري السابق الجراحة !) أو يا جدري الشمومة الزول تكتلو عديل يا نديما!
وفي مرثية عمدة كلي ابوجديري:
حود يا الخصم لي غادي دربو بضر.
وأضحكني قول ابو قطاطي في مرثية المك ناصر كبير قبيلة الجموعية أداء ابراهيم اللحو في احدي رمياته الحسان في باب الشدة:
حصحاص البليلة الجو فيها مدقدق !
والبليلة إن خالطها الحصي يتعذر علي الأسنان مضغها!
وفي البيئات الصحراوية القاحلة تكثر أساطير الغول والسعلاة والحيات الضخام.
أما في البيئات القريبة من المسطحات المائية العذبة كالأنهار والبحيرات فالتشبيه يجئ بوحوش الماء كالتماسيح فيوصف الفارس بأنه تمساح أو كالتمساح وفي عامية السودان يوصف بالدود ولا أدري وجه الشبه هنا بين الدود تلك الحشرة الصغيرة وبين التمساح وقد يطلق الدود علي القطط الكبيرة كالأسد والفهد.ذكر زميلنا الأديب السفير خالد فرح أن البروفسور عبد الله قد وجد له أرومة في العربية حيث قال إن حمير كانت تطلق علي الأسد دودان . يقول ولأن الألف والنون في آخر الكلمة يقومان مقام أداة التعريف في تلك اللهجة الحميرية فكأنها هي الدود وجاء باستشهاد من قصيدة لأمرئ القيس يهجو فيها بني أسد بقوله: إن دودان عبيد العصا…قال دودان وهو يريد أسد. ولحمير في عاميتنا (أم بارح) لكلمة البارح وقد ألفينا كبارنا يستخدمون البارح لا غيرها و لعلكم تذكرونها في حديث “أمن ام بر أم صيام في أمسفر؟ ” وهي لم تزل حية في جهات تهامة في السعودية وفي اليمن: أم قلم, أم سيارة.
تمساح أم كبلو الخالف الليا يبلع جوب وجوب
لخصيمو جيد ليا . بسعلوك مننا! وقلب الهمزة عينا شائع في لهجات العرب.
و الغريب في تشبيهات التمساح, أنها تأتي في سياقات الغزل والتشبيب بالحسناوات وإطراء جمالهن وفي ذات الوقت تحذير السفهاء المتطفلين بأنهن عفيفات في منعة من أوليائهن لا يصبو إليهن متطفل فلا ينلن إلا بالحلال وفق الزواج علي الكتاب والسنة:
تميرة المشرق العند الزلوما
(والزلوما نتؤ من الأرض داخل النيل)
اليقوقي دباسا بالجهتين يحوما
البشرك دودا حامي الناس العوما
دحين آ ناس اسامحا واللا لوما
قال أحدهم : ليل نهار غفرك يجدع ما بيخاتر الطير في الفرع
أما إذ اقتصر التشبيه علي الفارس وحده
جئ بالدود كناية عن الأسد أو غيره من الكواسر:
قالوا الدود قرقر حبس الدرب.
وقال معد بن معدي كرب في الجاهلية مفاخرا:
أفاطم لو رأيت ببطن خبت
وقد لاقي الهزبر أخاك بشرا
إذن لرأيت ليثا أم ليثاً هزبراً أغلباً لاقي هزبرا
وقد شبهت شقيقة ود حبوبة شقيقها في رثائها له بالأسد:
بتريد اللطام أسد الكداد الزام حقيت اللسم من اليمن للشام
سيفك للفقر قلام!
ورحم الله بادي محمد الطيب كم أحسن لحنها وأدائها!
وزعموا لبعض الوقت أن في قاع النيل مخلوقات شبيهة بالناس تخرج بالليل لتقتات علي لحوم البشر أطلقوا عليها اسم ( السحاحير)! ثم تحرروا من هذا الإعتقاد الذي وقف طويلاً بلا ساق!
وغالب الأسماء في السودان وفي مصر من أسماء النبي عليه الصلاة والسلام كمحمد وأحمد بإضافات كمحمد الأمين او محمد الكامل والعاقب والماحي وطه وياسين ثم أسماء الأنبياء وتأتي بعدها أسماء الصالحين تيمناً بهم في كل اقليم تكاد تعرف المنطقة بما يكثر فيها من أسماء سيداحمد ( ابن ادريس )والرشيد ( وراء ابراهيم الرشيد)ومحمد عثمان وهاشم وجعفر تأثرا بالطريقة الختمية في الشمال والخضر والشرق وفي أقصي الشمال تجد اسم دهب ولا غرو فكلمة دهب ترجمة لكلمة ناب اشتقوا منها كلمة نوبيا أي بلاد الذهب ولا يزال الذهب يجر عليها من شرور أكثر مما أفاء عليها من السرور والحبور ولله في خلقه شؤون !وهناك نواحي حلفا من تاثروا بحكم الجيرة بمصر ,أفاضل عرفناهم حملوا أسماء ذاعت هناك مثل مرسي ونقراشي وهيكل ومتولي.وفي الجزيرة تكثر أسماء : المكاشفي، الطريفي، العركي والمجتبي والطيب وقرشي وعبد المحمود وفي كردفان التوم وتيراب وحماد وحميدان وفي مناطق الأنصار أينما كانت تكثر اسماء عبدرالرحمن والهادي والصادق و عبد الله وفي دارفور تكثر أسماء الانبياء موسي وهارون وزكريا وآدم وفي مصر مرسي وراء مرسي ابو العباس والبدوي والصاوي وغير ذلك في كل مكان حيث ما وجد من اعتقد الناس في صلاحهم وتقواهم. وتكثر في مصر الكنية المنسوبة للمكان كالمنفلوطي من منفلوط والبنوي من بنها والقناوي من قنا ولا تكثر الكنية بالولد كما الحال في الشام وفي جزيرة العرب.: أبو فلان وام فلان وكذلك الكنية بالقبيلة كالغامدي والفهري والشهري والشيباني. والكنية خاصة بالولد أو البنت كأبي عاصم أو كأبي عمار ونحوه تأتي تحاشيا للمناداة بالاسم الأول حافاً والأمر عكس ذلك لدي الفرنجة قاطبة فالمناداة بالاسم الأول دليل علي الصداقة ورفع الكلفة وعندنا تأدباً ينادي الكبير بعم فلان أو خال فلان وخالة وعمة.
وفي العالم المسيحي يمنح المولود اسماً دينياً من الأسماء الواردة في الانجيل بجزئيه القديم والجديد : جون، زاك، ديفيد وجورج وفي النساء سارة زوجة ابراهيم الخليل، وميري وماريا وكساندرا وهلم جرا. وعند الفرنجة الغربيين أيضاً أسماء كحجر وصخر وضبع! وفي ثقافتهم خوف وهلع من الجن والبيوت المسكونة والعديد من الأفلام تروي قصصاً في ذلك. وربما كان سبب ذلك مافي عقائدهم من ذكر المسيح الدجال وهو نقيض السيد المسيح عليه السلام .وألاحظ قلة أسماء الصحابة في جزيرة العرب ربما بسبب الصراعات المذهبية في القديم بين المذاهب الإسلامية بينما تكثر في مناطق الشيعة أسماء علي والحسين وعبد الحسين وعبد الرضا وأسماء ائمة الشيعة الإمامية. وفي اليمن تكثر أسماء صالح ومصلح وغالب وعبد ربه وعند الحضارم با وارث ، با زرعة …والكني بالبلدات كالصنعاني والشوكاني وزيد .وغالب أهل الشمال في اليمن من الزيدية.
وفي الجزائر تكثر أسماء مجاهديهم وعلمائهم: عبد القادر، عبد الحميد وسحنون وبين الكهول الذين أدركوا جمال عبدالناصر ، اسم جمال. لما حفظوه من دعمه للثورة وخاصة أثناء رئاسة أحمد بن بيلا القصيرة وفي النساء خديجة واستمعت لعدد من المثقفين يتحدثون عن قلة اسم عائشة يردون ذلك لفترة تأثير الدولة الفاطمية. وهناك أثر لأسماء أمازيغية كالزناتي ، زروالة وزروال وفي النساء زليخة وتلك صاحبة يوسف لا يسمي عليها في المشرق وأسماء لمجاهدات ك حسيبة ) جامعة حسيبة بن بو علي في الشلف والعداءة حسيبة بولمرقة. وفي السودان مثل ذلك أسماء محلية مثل أرو، ساتي وأرصد في مناطق النوبة الشمالية وفي مناطق الشايقية عكود وعبود وصبير وطمبل . وفي مناطق البديرية تطلق جمال علي النساء مثلما يفعل العرب في مناطق أخري اسم إحسان علي الرجال .وفي نهر النيل أسماء مثل طيفور وحمد وموسي في مناطق الميرفاب والرباطاب وفي مناطق البطانة تجد عوض الكريم وزايد وفي مناطق البجاة إدريس وآدم وأبو فلانة ، زينب ، عائشة وفاطمة. وتتميز مناطق جبال النوبة بأسماء مثل تيه وكافي وكوكو ونحو ذلك .وعلي الاجمال فالناس يسمون علي موتاهم من الآباء والأمهات تخليدا لذكراهم وللاستئناس بها فتجد الأسماء تتكرر خاصة حيث لا يعتمد الناس اللقب او اسم العائلة. بحكم الضرورة اعتمدناالاسم الثالث اسماً للعائلة ثم أصبح التعريف في الوثائق الرسمية رباعياً بعد ذلك ربما بسبب زيادة السكان وزيادة تكرار الأسماء فاعتمد من جاء بعدنا الاسم الرابع الأخير اسماً للعائلة.
وحدثني مثقف جزائري معروف كان اسم العائلة لديه ( دماغ العتروس) والعتروس في العامية الجزائرية هو ذكر الماعز ( التيس) فقال لي إن الناس كانوا لا يستخدمون اللقب هذه ( كيما أنتما) أي مثلنا وعندما أدخل الاستعمار اسم العائلة هذا فعلوها باستهتار ( مسخرة) فكان الرجل الواقف في الصف إذا كان يمسك بأذن معزته سموه بومعزة ( ومن مناضليها ومثقفيها بشير بومعزة) ،أو كان يضع عمامة اطلقوا عليه ابو عمامة ومن ثوارهم الشيخ بو عمامة وكان حظ أسرة هذا الاستاذ الجامعي من الأسماء دماغ العتروس! زاد بأن ذلك جعل ذراري من هجروا مع المجاهد الأمير عبدالقادر بن محي الدين إلي سوريا وعادوا بعد الاستقلال لم يتمكنوا من إثبات هويتهم الجزائرية . تجد أسماء كالخالدي في بلاد الشام .والصديق السفير الشريف سفير الجزائر علي أيامنا في الهند من تلك العائلات. منهم كذلك الدكتور العالم الفذ محمد المبارك عبد القادر وقد كان نائبا برلمانيا في سوريا وأستاذا جامعيا في جامعة أمدرمان الاسلامية في ستينيات القرن الفارط. ومن حفدة الأمير عبدالقادر الصديق السفير إدريس الجزائري ذلك المحب للسودان وللسودانيين وقد زاملته في واشنطن وكان من خيرة الأصدقاء.وافتقدت في الجزائر اسم التجاني علي الرغم من أن الشيخ أحمدالتجاني مؤسس اكبرطريفة صوفية في افريقيا ، الطريقة التجانية من بلدة عين ماضي في الجزائر.وكان قد وزارني في السفارة هناك أحد أحفاده من مواليد مدينة الفاشر لأم سودانية حصل علي منحة في جامعة الجزائر بتلك الصفة جاءمنزعجاً مشفقاً علي جنسيته السودانية والسودان يجيز حمل اكثر من جنسية إلا ان الجزائر لا تجيز قوانينها ذلك.
وترسخت مسألة اللقب هذه في الجزائر إذ تعتمد كل الوثائق الرسمية عليها فيما يعرف بالبطاقة العائلية فالمواطنة منضبطة جداً بسبها .فكنا نعاني في المطار في الجزائر عند وصول مسؤول يكون اسمه الأخير محمد فيقال لنا ( ما تجيش محمد كلقب).والجزائري متدين بالفطرة ينادي لمن لا يعرف له اسما،( سي محمد) وهي تعادل عندنا ( يازول).
وفي ليبيا أسماء كمفتاح والفيتوري وخميس وفرج وفي سوريا يكثر اسم بلال تيمنا بالصحابي الجليل بلال بن رباح المدفون هناك ويقل كثيرا في السودان وفي افريقيا.
وللمغرب الكبير أثر بالغ علي ثقافتنا لا سيما وان دولة المرابطين وبعدها دولة الموحدين بلغ امتدادها تخوم بحيرة تشاد. وجاءت هجرات قديمة من المغرب لعشائر كاملة استوطنت في السودان مثال عائلة الدكتور الفاتح حسنين والتي وصلت كركوج قبل خمسمائة عام وعشائر كاملة في شرق الجزيرة في ود السيد وود الفضل وقري كثيرة في قلب الجزيرة وتخوم العاصمة الخرطوم وود مدني ، منهم زملاء وأساتذة وعلماء لا يحصيهم العد. وتدل علي الأثر المغربي أسماء مثل الجزولي تيمناً بالمجاهد الشهيد أبو عبدالله ياسين الجزولي أستاذ المرابطين وزروق والشيخ أحمد بن إدريس الفاسي أستاذ محمد عثمان الميرغني مؤسس الطريقة الختمية وابراهيم الرشيد الدويحي مؤسس الرشيدية في السودان والصالحية في الصومال حيث يكثر اسم الرشيد وفي ماليزيا وغيرها . وسلالته باقية قائمة بأمر الدعوة في أمدرمان وأمنتجو وغيرها من المناطق. وكنت أول من اعتمد سفيرا للسودان في جزر المالديف وعلمت هناك أن قد جاءهم الاسلام مع مؤلف دلائل الخيرات ابو عبدالله الجزولي الذي تقدم ذكره ربما جاءهم الكتاب مع أحد الدعاة حيث لم أجد في ترجمة الشيخ أنه بلغ في تجواله تلك الأنحاء لكن ابن بطوطة وهو مغربي من طنجةً قد مكث في الهند سنين عددا وعين سفيرا لسلطانها لدي الصين.
وفي كل منطقة توجد أسماء محلية فرضتها ملابسات بعينها. كالفطور والشباك وأمسور وخضره (أم سور وخضراء أي المدينة المنورة) وهناك أم ألفين وست الجيل ومهيرة .كذلك توجد أسماء فرضها الترحال كالبغدادي في الخرطوم والطنطاوي في الشام والمغربي فئ كثير من بلاد المسلمين.
وترد كثير من الألقاب إلي الصنائع كالقباني مثلا وهو الذي يحمل قباناً ليزن المحاصيل للمزارعين، وكذلك السمان ، بائع السمن ويكثر اسم السماني لدي أتباع الطريقة السمانية . ونجد أيضاً الصّواف والغزّال والخيّاط ونحو ذلك.
ولبعض الأسماء جرس يبقيها أمدًا في الذاكرة.
مثل : أليسون منايا مغايا الوزير السابق في السودان وفي الهند اسم
وزير خارجية الهند سابقا :نراسيما راو
وديوري هاماني رئيس النيجر الأسبق.
الأمير الكمبودي: نوردوم سيهانوك.
والأسماء تتغير مع الزمن . وفي السودان علي زمان أمهاتنا كانت جلها في فاطنة (فاطمة) وعاشة وعيشة وعشة يريدون عائشة وزينب ونفيسة وست نور ومريم ونور الشام ونور اليمن ثم جاءت السينما المصرية بشادية وسامية وفتحية وجددت أسماء قديمة مثل لبني وليلي وفي أسماء الرجال أيضاً كعمرو وسهيل وفريد وزكي وحسام وهشام ومجدي وفتحي.
ووقفت مرة علي مقالة لكاتب أمريكي ينعي بأسي الأسماء الرجالية القديمة مثل “جيك” واستيف وديفيد وحلول أخري مائعة رخوة مكانها لا تليق بالرجال كما رأي.
وعاشت الأسامي!