دردشة رمضانية

اصطحبنى الأستاذ سيد الخطيب إلى (مسجد محمد) فى مدينة واشنطن العاصمة .وقد درجواعلى إضافة – مقاطعة كولومبيا – كلما جاءوا على ذكر واشنطن وهم يعنون العاصمة تمييزاً لها عن ولاية واشنطن المتاخمة لكندا على الساحل الغربى للولايات المتحدة و أهم مدنها مدينة ( سياتل ) وهى مقر رئاسة شركة ( آمازون) العملاقة وصنوتها فى تكنولوجيا المعلومات (مايكروسوفت) وكذلك شركة الطائرات المعروفة (بوينق). وكولمبيا المقاطعة نسبة إلى كولمبس مكتشف العالم الجديد عن طريق الخطأ حيث كان يروم بلاد الهند فقذفت به الأقدار والأمواج معاً إلى السواحل الأمريكية ومع ذلك لم يستدرك خطأه فقد جعل سكان تلك البقاع الأصليين هنوداً رغم أنوفهم حتى يوم الناس هذا. أضاف هو أو اضاف من جاءوا بعده بعدأن اكتشفوا الخطأ الجسيم إليهم صفة (الحمر). إشارة إلى بشرتهم وتمييزاً لهم عن أولئك فى شبه القارة الهندية من السود والسمر الجعاد. وقد تضجر هؤلاء (الحمر) من إطلاق صفتهم تلك على فريق واشنطن العاصمة لكرة القدم الأمريكية (فوت بول), فأسموه فريق (البشرة الحمراء). وأذكر أن الفريق كان قد فاز بالبطولة على نطاق أمريكا لكرة القدم لأول مرة فى ثمانينات القرن الماضى. وكان كابتن الفريق (دوقوليام) من السود ولم تنم العاصمة التى تبلغ نسبة سكانها من السود نحواً من خمس وسبعين بالمائة من الفرح والحبور والإبتهاج. وحطم (دوق ويليام) خرافة عنصرية كانت تقول إن السود لا يصلحون لقيادة فريق رياضى ولكنهم جنود أقويا لأن قيادة الفريق تحتاج لقدرات ذهنية لا تتوفر لديهم.على طريقة بهجت الأباصيرى (عادل إمام ) فى (مدرسة المشاغبين) فهو المخ ومرسى بن المعلم الزناتى (سعيد صالح) هو العضلات ! وكانت مجموعات (الهنود الحمر) تطالب بإلغاء تلك التسمية دون جدوى وتقول إنها السبب فى هزائم الفريق المتلاحقة باستخدامهم السحر الهندى والطقوس الدينية لديهم نكاية بالفريق ورفضاً للتسمية المسيئة. ,اخيراً كسبوا قبل نحو أسبوعين حكماً قضائياً يقضى بتغيير ذلك الاسم والحكم قيد الإستئناف الآن .ومما تسلل إلى الأذهان فى إطار الثقافة البيضاء, أن رياضة الغولف مثلاً رياضة بيضاء لأنها من رياضات الأثرياء حتى ظهر(تايقر وود) الذى حطم تلك الخرافة . وقد شجع الكوميدى الرائع ( بيل قوسبى) السود على إقتحام سباق السيارات بل ووظف جزءا من ثروته الكبيرة لذلك الغرض حتى يبطل خرافة أخرى تزعم أن تلك الرياضة تحتاج لجلد وجسارة هما من خصائص البيض وحدهم وليس لسواهم فيها نصيب .وأذكر أن معلقاً رياضياً من البيض فقد وظيفته لأنه جاهر بالقول إن الملونين يبرزون فى ألعاب القوى لا فى السباحة والتنس. يستبطن بذلك القول مشاعر إستعلاء عرقى وثقافى.
وعلينا ونحن نستمتع بنفحات هذا الشهر الفضيل أن نتذكر أن من أعظم تعاليم الإسلام وإسهاماته فى نهضة البشرية الحض على الإخاء الإنسانى لأن الناس جميعا لآدم وآدم من تراب وأن أصلهم أصل واحد بلا جدال وتلك حقيقة يؤكدها علم الأحياء والوراثة كل يوم تطلع فيه الشمس.
أعود لأستأنف قصتى مع الأستاذ سيد الخطيب ومسجد محمد .ومسجد محمد هو إحدى مؤسسات المسلمين الأفارقة الأمريكيين والتى أسسها (ألايجا محمد) إلى جانب (مدرسة كليرا محمد ) الإسلامية ثم ورث قيادة الجماعة ابنه (وارث الدين) الذى قاد (أمة الإسلام) التى أسسها والده بمعتقدات مخالفة لتعاليم الإسلام المعروفة إلى الإسلام الصحيح. وقد أخبرنى مؤخراً الدكتور محمد نور عبد الله الذى لعب دوراً كبيراً فى تصحيح مسار تلك الجماعة عندما كان مستشاراً للمرحوم وارث الدين الذى كان اسمه فى الأصل (والاص) , أن ألايجا محمد وهو على فراش الموت قد أوصى أتباعه بإتباع ابنه وارث الدين وأنه هو الذى سيقود خطاهم إلى الإسلام الصحيح.ذلك يعنى أن الرجل قد ايقن فى أخريات ايامه أن ما كان يدعو إليه ليس الإسلام المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. ووارث الدين رحمه الله رجل شديد التواضع زارنى مرة بمقر السفارة ووعد بالعمل على تصحيح الصورة السالبة للسودان لدى السود فى أمريكا منذ أيام المهدية وأنه بلد يمارس فيه الرق حتى اليوم. وتلك من أسباب إصطفاف منظمات السود مع كل ناقع يقف ضد السودان .
أرجو ألا يغفل دور سودانى آخر هو الشيخ الدكتور محمد نور عبد الله السودانى كما أغفل دور الشيخ حسون فى هداية الحاج مالك الشباز أو مالكولم اكس. فليتك تكتب عن ذلك يا (مولانا إمام نور) كما كانوا ينادونك هناك محبة وعرفاناً بفضلك.
أقول كان الأستاذ سيد وثيق الصلة بمسجد محمد وكان قد انتخب نخبة من نجبائهم يعلمهم اللغة العربية والقرآن ويصلى بهم الجمعة أحياناً(جعل الله ذلك فى ميزان حسناته) وقد برز منهم أفذاذ منهم المرحوم (حضارى عبد العلى) الذى تزوج بسودانية أنجب منها ولداً وقد أسس منظمة باسم (أمنحوا السلام فرصة فى السودان) على إثر أغنية اشتهرت فى ستينيات القرن الماضى تنادى بوقف الحرب فى فيتنام عرفت ب (أمنحوا السلام فرصة.) وقد لعبت منظمة المرحوم حضارى عبد العلى دوراً فى تصحيح نظرة كثير من المسلمين الأمريكيين للسودان. ثم كان له برنامج إذاعى مسموع بعد ذلك فى منطقة واشنطن الكبرى.
وفى ذلك اليوم الرمضانى قدم الأستاذ سيد خطبة الجمعة بإنقليزيته الرصينة ذكر فيها فيما ذكر – إن صح ما حفظت الذاكرة وإلا فالعتب علىّ أنا وحدى- أن رمضان قد يكون إحتفالية ربانية بنزول القرآن فيه:”شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.” (البقرة آية 185 ) فكأن من مقاصد الشهر بصوم نهاره وقيام ليله التذكير بنعمة القرآن على الناس,كتاب هداية فى الدنيا ونبراس إلى الحياة السرمدية فى الآخرة. وتداعت من هناك أفكار إنقدحت فى الذهن بأن رمضان يعد بمثابة دورة تدريبية (كورس) لمحاولة السمو فوق الرغائب والشهوات و(ضيق الخُلق) فى غيره من شهور العام وربما تفسير لقول المولى ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) (البقرة آية 286) أى أن الصبر على ألم الجوع و العطش والصبر على سفاهة السفهاء بالنأى عن الرد عليهم بفواحش الكلم ومقاومة رغبات الجسد الأخرى لبعض الوقت , قربى إلى الله بالتنازل عن الطعام والشراب لمحتاج أو صبراً واخشوشاناً لنوازل طبيعية حلت بالناس وترفعاً عنفواحش القول وعنف الألفاظ , يعد ذلك كله فى دائرة الإستطاعة الواردة فى التنزيل. فكأن الصوم مران على ذلك بقية العام.
وعلى ذكر(كورس) هذه أذكر أنى قد قدمت حديثاً فى رحلة طلابية فى غابة ( أم بارونا) فى مدينة ود مدنى حيا مروجها البهية الحيا , جئناها من ثانوية مدنى الحكومية ,قلت فيه إن الجنة التى خلق فيها أبونا آدم وأمنا حواء, والتى يقول كثير من العلماء أنها كانت فى هذه الدنيا وليست تلك التى عرضها السموات والأرض بعد فناء الحياة على هذا الكوكب. قلت إنها كذلك بمعنى ان آدم لم يخلق ليعيش فيها وإنما لتعليمه بمقصود الآية فى شروط حياته القادمة على الأرض ” قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون” ( البقرة آية 38 ) فلم تعجب الكلمة الفرنجية (كورس) أحد اخواننا من المحافظين. صحيح أننا كنا صبية بمعارف محدودة وبحماسة أيضاً لا تحفل كثيراً بقوالب المصطلحات الجاهزة لكنى لم أفهم وجه إعتراض أخينا على ذلك . وأظن أن القداسة التى نضفيها حتى على مصطلحات قال بها بشر مثلنا لم يأت بها الوحى ولاقالها مبلّغ الرسالة عليه الصلاة والسلام , تعدمن الكوابح التى قعدت بفكر المسلمين.
ولما كان الشئ بالشئ يذكر فلابد من الإشارة إلى محاولات الأستاذ عبد المحمود الكرنكى فى صباه الباكر أيام الطلب الجامعى وقد شهر سيوفه على الكثير من المصطلحات وحاول (تحديث وعصرنة) بعضها تجسيرا للهوة مع جيل أيسر إستقطابه لحمى الدين بالسهل من المصطلحات المناسبة لعصره .واستنكر ألوانا من الموسيقى الحزينة الجنائزية قد خصصت كشعارات للبرامج الدينية فى الوسائط المسموعة والمرئية, كأن الدين قرين الموت والأحزان لا مصباح الحياة كلها للعيش الكريم وللغرس للحياة الحقيقية القادمة. وتعرض الأستاذ وقتها لوابل من صيحات الإستنكار المحافظة العاكفة دوما على الرموز والأشكال. قال المصطفى (ص) “إن الله لاينظر إلى صوركم” مشيراً إلى قلبه “التقوى هاهنا.. التقوى هاهنا…”.
تقبل اله” الصيام والقيام وسائر الطاعات فى الإنفاق وصلة الأرحام وإفشاء السلام وإطعام الطعام وكل رمضان وأنتم جميعاً فى عافية وستر ورضا.

تعليقات الفيسبوك