تلكم الجامعة التي عرفت

وأعني بها جامعة إفريقيا العالمية التي عملت بها أستاذا مشاركاً في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ثم صرت عميداً لها ثم انتقلت لكلية الإعلام عميداً لها أيضاً. كان ذلك علي مدي أريع سنوات امتدت بين الأعوام ٢٠١٤ حتي تقدمت باستقالتي في بداية سبتمبر من عام ٢٠١٨. وانقطعت عن العمل فعلياً في العام ٢٠١٩ لظروف خاصة لا صلة لها بالجامعة. ورغم أن زملاء دراسة أعزاء قد التحقوا بها منذ أن كانت مركزاً اسلامياً صغيرا، ظلت علاقتي بها محدودة جدا إذ كانت تبدو لي بعيدة خاصة وأنها بحكم الجغرافيا كانت تقع في تخوم الخرطوم الجنوبية قبل قيام أحياء الأزهري وبقية الأحياء الأخرى. وبالتالي فإن معرفتي بظروف تطورها ظلت محدودة وفي حدود الهم العام بالمحيط الثقافي والتعليمي بالإضافة إلي ظروف عملي بعيداً في الخارج. ذلك رغم أن شقيقي الأصغر جعفر كان قد التحق بها خبير مكتبات منذ سبعينيات القرن الماضي حتي وفاته قبل سنوات رحمه الله رحمة واسعة.
ولو أن سنوات خدمتي الدبلوماسية تعددت في قارة افريقيا ربما توفرت لي سوانح لمعرفة سالفة بالجامعة كما وقع لزملائي الذين خدموا في القارة بسبب صلة الجامعة الوثيقة بإفريقيا والأفارقة. صحيح أني خدمت في الجزائر ولكن الغرب شاء أن يلحق شمال إفريقيا بما أسماه الشرق الأوسط أو الأدنى كما تصنفه خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك رقم أن الجزائر أوثق بلاد الشمال الإفريقي بإفريقيا جنوب الصحراء بحكم ثورتها المجيدة التي رعت ودعمت ثورات القارة الأخرى. شهدت أكثر من مرة دبلوماسي الجنوب الإفريقي ، جنوب إفريقيا، زيمبابوي وناميبيا يلتفون حول الرئيس الراحل أحمد بن بيلا في حفلات الاستقبال التي تقيمها السفارات، بعد أن أطلق سراحه الرئيس الشاذلي بن جديد . وبن بيلا كان أيقونة الثورة الجزائرية وأحد رموزها اللامعة ، وذلك للتحية والتعبير عن عرفانهم لدعم الجزائر لكفاحهم المسلح. رأيته يرفع ذراعه ، وكان رجلاً فارعاً قوي البنية، وهو يقول بفخر واعتزاز لقد دربت قيادات ثواركم بيدي هذه. ولقد كان وقتها جهد المركز الإسلامي والجامعة بعد ذلك مصوباً نحو إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء وإلي البلاد التي يعد المسلمون فيها أقليات حرمت نفسها من التعليم الحديث الذي كانت تقيمه وتشرف عليه الإرساليات المسيحية في تلك الدول، خوفاً علي ذراريهم من التنصير.
وللمفارقة فقد جاءت صلتي بالجامعة عن طريق الهند التي أرسلت إليها سفيراً والتي لا شأن للجامعة بها لكن الصلة جاءت عبر المكون الآخر لثقافتنا : الثقافة العربية . والهند تضم ثروة عظيمة من التراث العربي والإسلامي ، كيف لا وقد حكمها المسلمون قرابة ثمانية قرون . ومكتباتها وجامعاتها القديمة لا زالت تضم مخطوطات عربية نادرة ومنها عثروا على القصيدة اليتيمة المشهورة والتي مطلعها:
هل بالطلول لسائل رد أم هل لها بتكلم رد
وفيها البيتان اللذان يترددان علي كل لسان:
فالوجه مثل الصبح مبيض والشعر مثل الليل مسود
ضدان لما استجمعا حسنا والضد يظهر حسنه الضد
فقد وجدت في مخطوطة بخزانة رامبو بالهند. وفي نشاط السفارة الثقافي وفي اطار مبادرات وزارة الخارجية الهندية ومكتب الجامعة العربية هناك لتعضيد وتقوية العلاقات العربية الهندية باستدعاء التاريخ اطلعنا علي بعض ذلك وعرفنا أن ابن بطوطة المغربي عمل سفيرا لإمبراطور الهند المسلم نحو ثمانية سنوات سفيرا له في بلاط امبراطور الصين وله ترجمات وكتابات وأن الشيخ الصوفي محمد بن سليمان الجزولي المغربي قد ساهم بكتابه “دلائل الخيرات وشوارق الأنوار” في نشر الإسلام في تلك الأنحاء وتحديدا في جزر المالديف، ذكر لي سفير المملكة المغربية هناك. ساقني هذا الاستطراد إلي جامعة إفريقيا العالمية ففي اطار تلك الاتصالات طلبت منا جهة رسمية في ولاية جامو وكشمير مراجع في الشريعة واللغة العربية فكتبنا وقتها لمدير الجامعة البروفسور حسن مكي الذي سارع مشكوراً بإرسالها مع مجموعة أخري أرسلناها لأقسام اللغة العربية في الجامعات الهندية الحكومية وغيرها.
وبعد بلوغنا سن الستين، سن التقاعد، ومغادرة الخدمة الخارجية في بداية العام ٢٠١٢ وبنصح خالص من أعزاء وأصحاب لم ينقطع ودهم منذ أيام الطلب الأولي، تجددت الرغبة في العودة إلي مهنة التعليم التي كانت مبدأ حياتنا العملية وكان أن تم ذلك فكانت تلك الصلة بجامعة إفريقيا العالمية.
ولا أريد في هذه المقالة أن أعيد عليكم كيف بدأت هذه المؤسسة إلا شيئاً يسيراً أنها بدأت بمبادرة من شخصيات تحظي باحترام السودانيين كافة كالشيخ والعالم الجليل عوض الله صالح والشيخ محمد هاشم الهدية والبروفسور كامل الباقر رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة وما بذله الرئيس الراحل جعفر محمد نميري من جعل المركز عملا تضامنياً مع عدد من الدول العربية وجهد الدكتور منصور خالد أيام توليه مهام وزارة التربية والتعليم في ذلك الوقت حيث أن مدير الجامعة بروفسور كمال محمد عبيد كان قد طلب مني وأنا أتوجه لحضور تكريم الدكتور منصور خالد بقاعة الصداقة بإبلاغ لجنة التكريم أن الجامعة ترغب في التنويه بدور الدكتور منصور خالد في قيام المركز الإسلامي عند تأسيسه في عهد الرئيس نميري .وقد أخبرت بالفعل السفير الدكتور حسن عابدين، أحد المنظمين لذلك التكريم بتلك الرغبة فرحب بتضمين ما يصل من الجامعة في برنامج الاحتفال. لكني لم أتابع ما حدث بعد ذلك.
أقول عوضاً عن تكرار التأريخ، أحيلكم لكلمة البرفسور الطيب زين العابدين الذي كان مديرا للمركز الإسلامي بعنوان: جامعة إفريقيا الصرح الذي أحببناه .
وأوصي كذلك بالرجوع إلي ما كتبه الدكتور عبد الله علي إبراهيم (جامعة إفريقيا العالمية، سفارة ) وما كان قد كتبه بروفسور عبداللطيف البوني عام ٢٠١٧ ، وقد حظي المقال مؤخراً بانتشار واسع هذه الأيام في السوشيال ميديا إشفاقاً عندما لاحت النذر بهجمة آتية تستهدف خضراء الجامعة ، وكل أولئك ثقات يعتد بقولهم.
وأود عبر هذه السطور أن أقصر حديثي علي ما علمت من أمر الجامعة وما رأيته رأي العين بين عرصاتها أي أن أخبر بما أعلم لا أكثر احقاقاً للحق وشهادة لله ومن يكتمها فإنه آثم قلبه سيما وقد انتفت شبهة المصلحة الخاصة بعد ترك العمل فيها وانقطاع صلتي بها بما يقارب العام.
بدأت مدرساً لطلاب الدبلوم العالي والماجستير لمادتي تاريخ الدبلوماسية ومادة الفكر السياسي أو الفلسفة السياسيةPolitical Philosophy تماماً كما درسناها نحن وكما تدرس في سائر الجامعات في العالم كما توليت الإشراف علي رسائل في الماجستير والدكتوراه وأوراق لازمة للتخرج. وقبل أن يخصص لي مكتب في الكلية استضافني البروفسور حسن مكي في مكتب مجاور لمكتبه في مركز الدراسات والبحوث الإفريقية الذي كان عميده الرجل الخلوق الدكتور يوسف خميس أبو رفاس ثم خلفه عليها عميداً بروف حسن مكي. وكان هناك أيضاً مكتب الرجل العالم البروفسور سيد حامد حريز والبروفسور عبد الرحيم نصر ثم التحق بالجامعة بعد ذلك الدكتور عبد الله علي إبراهيم فعلمت أني في معية العلماء الذين أسسوا معهد الدراسات الآسيوية والإفريقية في جامعة الخرطوم سبعينيات القرن الفارط. وسعدت بصحبتهم جميعاً والتقيت لاحقاً بالبروفسور إدريس سالم الحسن، العميد الحالي لكلية الآداب بالجامعة وكنت قد التقيته قبل سنوات في معية الدكتور عبدالله علي ابراهيم في برنامج تلفزيوني في قناة النيل الأزرق استضاف ثلاثتنا فيه الأستاذ الطاهر حسن التوم. ومن منجزات الجامعة والمركز خلال عملي هناك : مؤتمر خصص لطرق الحج التي كانت تتخذ السودان معبراً للأراضي المقدسة وما ترتب علي ذلك من التلاقح الثقافي والعرقي والتنوع الماثل اليوم في الثقافة السودانية. وصدرت عنه نحو ست مجلدات وشارك فيه باحثون من كل أنحاء القارة و علمت من خلاله للمرة الأولي أن بعض حجاج شرق إفريقيا كانوا يفضلون العبور من ميناء سواكن أي كانوا يأتون عبر السودان وأن الأمر لم يكن قاصراً علي حجاج غرب القارة. وكنت هناك عندما نظموا مؤتمراً عن بروفسور علي المزروعي شارك فيه لفيف من العلماء من دول عديدة وكان بينهم العالم البروفسور مدثر عبد الرحيم الطيب الذي زامل الرجل وبعون منه التحق أستاذاً بجامعة ماكريري عندما فصله نميري ضمن ١٢ أستاذا من جامعة الخرطوم أوائل قدوم نظام مايو. واستقر المقام حالياً ببروفسور مدثر باحثا في مركز البحوث والدراسات الإفريقية بالجامعة . وفي وقت وجيز حملت مجلدات عدة مستخلصات ومخرجات ذلك المؤتمر الهام. وقبل مغادرتي الجامعة بقليل فازت الجامعة بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام ، وجاء في حيثيات منح الجائزة التنويه بدور الجامعة في خدمة الإسلام المعتدل عبر مناهجها وعبر وسائل إعلامها، راديو إفريقيا وقناة العالمية. وقد سلمها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز لمدير الجامعة يداً بيد. ولما كنت قد تشرفت بعمادة كلية الإعلام أود تسليط الضؤ علي بعض ما لا يعرفه الناس. حرص مدير الجامعة البروفسور كمال محمد عبيد علي ضرورة اعتماد نهجاً تطبيقياً في تدريس الإعلام فجلب للإذاعة إعلامي مخضرم هو الرجل الفاضل معتصم فضل مدير عام الإذاعة السودانية السابق لسنوات والذي يشرف بنفسه علي تدريب الطلاب من الجنسين. أولئك يديرون الإذاعة علي مدار الساعة ينفذون برامج باللغات الحية في قارة إفريقيا : الإنقليزية والعربية والفرنسية والبرتغالية بالإضافة إلي اللغات الإفريقية الرئيسة: الهوسا والسواحيلي والأمهرا والصومالية والفلاني.
أما التلفزيون فقد ابتدر العمل فيه الإعلامي الكبير البروفسور عوض إبراهيم عوض قبل هجرته إلي الخليج وتولي أمر القناة بعده الأستاذ حاتم بابكر وهو إعلامي معروف ومتمرس يعاونه أكاديمي مرموق هو عميد الكلية الحالي البروفسور بدرالدين محمد إبراهيم. ولابد هنا من التنويه بالجهد الكبير الذي بذله أول عميد للكلية في تأسيسها تحت الإشراف المباشر لمدير الجامعة هو البروفسور موسي طه تاي الله. وتجدر الإشارة إلي أن الجامعة تبنت هدف تخريج الإعلامي الكامل بحيث يتم تدريب طلاب الأقسام الثلاثة : الصحافة والنشر، الإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة في تقديم الأخبار والبرامج في الإذاعة والتلفزيون ويتدربون كذلك في الكتابة في صحيفة قسم الصحافة والنشر والتي تطبع في مطبعة الجامعة التي تبرع بها أحد أبناء الخليج. وقبل مغادرتي بقليل بدأ البث بالقناة التعليمية بإشراف البروفسور بدر الدين محمد إبراهيم . وبرامجها عبارة عن محاضرات في شتي ضروب التخصصات بالجامعة إذ تبث عبر الأقمار الاصطناعية . وقد كنت أسعد كثيرا برؤية فتيان وفتيات في مقتبل العمر يعلو وجوههم البشر جاءوا من بقاع شتي من المعمورة يعملون كخلية النحل في همة ونشاط وتطلع للمستقبل و ما زال بعضهم يحرص علي التواصل معي. أطلقت الجامعة قدراتهم وفجرت مواهبهم ولا مست رغبات وطموحات ما كان لهم أن يحققوها وهم أقليات في بلدانهم.
وحتي لا ينصرف القول إلي أن أهل هذا البلد الفقير السودان، أولي بما ينفق علي هذا العمل الضخم (٢٥٪ من الطلاب من السودان)، أقول إن هذا الصرح عمل مشترك تساهم فيه دول عديدة في المنطقة بقناعات حضارية وإنسانية . وللتحقق من أن السودان لا يتحمل عبء الإنفاق وحده ، نجد أن كلية العلوم البحتة أسسها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وكلية انديمي لعلوم البترول والمعادن بقاعاتها الأنيقة ومعاملها الأحدث كانت علي نفقة الدكتور محمد أنديم أحد أثرياء نيجريا وقد رأيته بنفسي جالساً وسط العمال يحثهم علي الإسراع في إنجاز العمل لمقابلة الموعد المضروب لافتتاح الكلية بداية عام ٢٠١٧. والرجل جري تكريمه في بولاية فلوريدا الأمريكية حيث أقام كلية للإدارة هناك وكرم وفي جمهورية أيرلندا حيث أقام مثلها هناك. وله جامعة في بلدته في مادوري في شمال نيجريا .وكلية اقرأ لعلوم الحاسوب أسستها دولة الامارات العربية المتحدة، وكلية الشيخ الأنصاري للقرآن الكريم وعلومه أسسها الشيخ الأنصاري رحمه الله من دولة قطر وهكذا . وكان رجل الإحسان سليمان الراجحي فيما علمت قد وعد الجامعة ببناء مستشفي تعليمياً لطلاب العلوم الطبية يعالج فيه مواطنو المنطقة المحيطة بالجامعة بالمجان .ويتحمل السودان حسب إتفاقية المقر نفقات البند الأول من ميزانية الجامعة ( المرتبات) وبالعملة المحلية التي تصل إلي مائة مليون جنيه سوداني في الشهر وتقل أحيانا عن ذلك إلي نحو ثمانين أو سبعين مليوناً فتقوم الجامعة بسد النقص بالإضافة إلي تغطية المكون من العملة الحرة للمرتبات من مداخيلها واستثماراتها ومما يجود به أهل الخير من خارج السودان علما بأن عددا من أبناء المسلمين الميسورين من البلدان الأخرى يدرسون علي نفقتهم الخاصة وبالدولار . وبالأحياء المجاورة للجامعة مقرات يستأجرها هؤلاء وكان بوسع ذويهم إرسالهم إلي بلدان أخري لكنهم فضلوا هذه الجامعة علي غيرها.
و بالجامعة ٣٢ كلية وأربعة مراكز هي بالإضافة لمركز البحوث والدراسات الإفريقية ، المركز الإسلامي ومركز يوسف الخليفة لكتابة اللغات الإفريقية بالحرف العربي. وهذا مركز لا نظير له في العالم يشرف السودان أن يقوم علي أرضه أسسه العلامة الراحل يوسف الخليفة أبوبكر يقوم عليه أكفاء من العلماء وقد أطلعت علي خمسة كتب كتبها البروفسور بابكر قدر ماري بلغة الفلاني وبالحرف العربي وفي واجهة المركز كتب أخري صدرت للغات إفريقية وآسيوية بالحرف العربي كذلك. ذلك بالإضافة إلي أحد عشر مركزا وكلية منتسبة في الصين واندونيسيا وغانا وأوغندا وكينيا والصومال. والكليات الكائنة في الجامعة تمنح كل الدرجات العلمية ، البكالوريوس الماجستير والدكتوراه في كل المعارف بما فيها الطب وطب الأسنان والتمريض والهندسة والحاسوب وهناك كلية تقانة الإنتاج والتصنيع الزراعي ومقرها مزرعة فخيمة في ضاحية العيلفون بها أربع مزارع للأسماك والنخيل والحمضيات وغيرها وتضم آلاف الرؤوس من الأغنام (ماعز وضأن) وابل وبقر ودواجن بما في ذلك طائر السمان وخضروات تتكفل بالكامل بغذاء خمسة آلاف طالب داخلي وغدت منذ أكثر من عام تطرح الفائض من البيض والمعجنات والزيوت في السوق ولمنسوبي الجامعة بأسعار مخفضة. وبها مصانع لزيت الطعام والمربة والمعجنات بما يتناسب مع ضرورات التدريب تناسبا مع اسمها: تقانة الإنتاج الزراعي والحيواني. وتستقبل كلية اللغة العربية بالجامعة بالإضافة إلي طلابها، دورات قصيرة لمنسوبين حكوميين وعسكريين من الصين الشعبية واثيوبيا وتركيا وغيرها واستقبلت قبل عامين دبلوماسيين من إيطاليا والقاصي والداني يعرف حذر هذه الدول من التطرف والإرهاب ولو كانت هناك شبهة واحدة ما كانت تجد الجامعة مثل هذا القبول. وقد أبرمت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة مؤخرا اتفاقا لقبول عدداً من اللاجئين في الجامعة. وبكلية اللغة العربية مؤلفون وشعراء منهم البروفسور إبراهيم القرشي والدكتور عبد اللطيف سعيد والدكتور عمر شاع الدين والباحث البروفسور عبد الله حمدنا الله والأستاذ هاشم الإمام ونخبة من العلماء لا تحضرني الأسماء هذه الساعة. وبالجامعة فضليات يساهمن في نهضتها نذكر منهن البروفسور حسنات عوض ساتي أول عميدة لكلية العلوم الأسرية وتنمية المجتمع ، والدكتورة هند مأمون بحيري عميدة كلية علوم التمريض وفضليات في كليات الجامعة الأخرى. وتدير طبيبتان بكفاءة عالية عيادة طب الأسنان: الدكتورة جارة والدكتورة ليلي فتحي. والكلية تستقبل مرضي الأسنان في عيادة حديثة منسقة شديدة النظافة يبهجك فيها منظر المتدربين من كل الأجناس في بذاتهم البيضاء .
بقيت الاشارة إلي أن لغة التدريس في كافة الكليات والمدرسة هي العربية حيث أن الطلاب من أقليات مسلمة تعد العربية بالنسبة لهم لغة دينية للتعبد. فضلا عن كون العربية كما قال بروفسور مزروعي لغة افريقية وكما قال الأستاذ جمال محمد أحمد أنها كانت لغة القارة بأسرها قبل مجيء الاستعمار وحرص علي رعايتها وعلي تعليمها لأبنائه كما ذكر في كتاباته.
وإليكم لمحات لما تحظي به الجامعة لدي رؤساء وكبار رجال إفريقيا فقد زارها رئيس جنوب افريقيا السابق مبيكي أثناء رئاسته وتجول في أرجائها راجلا وأثني عليها الثناء الحسن بقوله : كان الأولي بنا في جنوب افريقيا كدولة ميسورة الحال أن نقوم بهذه المهمة . وأرسل سفير بلاده السابق في واشنطن الدكتور إبراهيم رسول ليكون عضواً في مجلس أمناء الجامعة. وقد أخبرني الزميل السفير معاوية عثمان خالد الذي عمل قائما بالأعمال في أوغندا أن الرئيس يوري موسفيني قال بالحرف الواحد في إفطار يقيمه سنوياً في شهر رمضان: إننا نتلق منحاً من دول إسلامية لمسلمي أوغندا ونحن نشكرهم علي ذلك غير أن أولئك يعودون بعد التخرج وهم لا يستطيعون حتي إعالة أنفسهم فقد تلقوا دراسات في دينهم فقط بينما توفر جامعة إفريقيا العالمية ستين منحة تمكنتُ مؤخراً من رفعها إلي مائة ونيف في مجالات الطب والعلوم التطبيقية فيعود خرجوها إلينا لا يعولون أنفسهم وحسب بل وغيرهم ويرفدون برامجنا للتنمية بكوادر مؤهلة وفاعلة. قال كان يردد ذلك دائماً في المناسبات. وفي حفل في بآجن بورا عاصمة جمهورية بورندي توافد السفراء المقيمون وغير المقيمين فيها لحضور الاحتفالات الوطنية فخصصت الدولة إقامة للمقيمين قريبة من مقر الرئاسة بينما أرسلوا غير المقيمين إلي ضاحية خارج العاصمة فالتحق بهم سفيرنا غير المقيم فلحقوا به وأبقوه مع المقيمين قالوا له تقديرا للسودان بسبب ما تقدمه جامعة إفريقيا العالمية لأبنا بورندي. وقبل نحو عام ونصف زار نائب رئيس جمهورية بورندي الجامعة وطلب رسمياً فتح فرع للجامعة في بلده . وفي مؤتمر لاحدي لجان الأمم المتحدة انتحي بي مواطن من احدي الجزر الواقعة في المحيط الهندي قائلا لقد تعلمت العربية في بلد عربي آخر أما ابني الذي نال دراسة تطبيقية في جامعة إفريقيا العالمية فهو يشغل اليوم وظيفة كبيرة في بلدنا. ويعمل أحد سفراء بورندي من خريجي جامعة إفريقيا سفيرا لبلده في بلد آسيوي وكذلك أحد سفراء أوغندا. هذا بالطبع بالإضافة إلي وزراء وحكام ولايات وأساتذة جامعات في كثير من الدول.
واتصل بي مرة سفيرنا أبوبكر الصديق من أكرنا لإبلاغ مدير الجامعة بأن رئيس الوزراء قد استدعاه ملتمسا قبول خمسة من طلاب غانا بالجامعة . كذلك اتصل بي مرة السفير عبد الوهاب الصاوي إبان قيامه بتأسيس سفارة للسودان في جمهورية ساحل العاج لإبلاغ مدير الجامعة أن مجموعة من الشباب استقبلوه في المطار وأعانوه في بحثه عن مقر للسفارة وذكروا له أنهم تخرجوا في جامعة إفريقيا العالمية.
والشاهد فيما ذكرت، أن الجامعة خلافاً لما قد يخطر علي البال ليست مجرد معهد ديني، وإن كان لا ضير من ذلك ففي أمريكا العديد من الجامعات والكليات والمدارس الدينية، ولكنها جامعة مكتملة الأركان تساهم في إدماج الأقليات المسلمة في مجتمعاتهم حيث ينافس أبناؤهم علي الوظائف المختلفة بما تلقوا من المعارف التطبيقية ويقل احساسهم بالتهميش وهذا يفسر احتفاء قيادات تلك الدول غير المسلمة بهذه الجامعة وبالتالي تساهم الجامعة في دعم الاستقرار في القارة ومحاصرة التطرف.
وعن تهم التسييس والأدلجة والحزبية، فإني أشهد الله بأني لا أعرف شيئاً من ذلك ولم أدعي قط لإجتماع سوي اجتماعات مجلس الجامعة والاجتماعات المتعلقة بشؤون الجامعة الإدارية غيرها كطلب الدعم للكليات بالوظائف ونحو ذلك واجتماعات المجلس التي تعتمد فيها الشهادات كانت بحق اجتماعات لمجلس محترم تمتد اجتماعاته أحياناً من الصباح الباكر إلي قريب من منتصف الليل ، أخذاً وعطاءاً صرفاً في شأن التقيد بالمعايير الصارمة المتعارف عليها في الحقل الأكاديمي. وتوجد بالجامعة ضمن إدارات الشوون العلمية ، إدارة الجودة وترقية الأداء يقوم عليه البروفسور محمود عبدالرحمن الشيخ يعاونه الدكتور عبدالرحيم عبدالحليم سوار وكلاهما نال دراساته فوق الجامعية في الولايات المتحدة وعملا في المراكز العلمية فيها وفي غيرها مهمتهما والطاقم العامل معهما ، متابعة ما يستجد في التعليم العالي في جامعات العالم من تطور في مناهج ووسائل التعليم العالي للمواكبة وترقية الأداء ولقد شهدت طرفاً من نهضة الجامعة خلال تلك السنوات والتي كانت كلها في عهد مديرها البروفسور كمال محمد عبيد ، حيث انفصلت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية والإدارية لتتكون كلية للإدارة قائمة بذاتها وينتظر أن تنقسم كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في هذا العام إلي كليتين بحيث يتيح ذلك لكل كلية التوسع في مجالات تخصصها فتكون هناك كلية العلوم السياسية لتضم مركزا للبحوث ومركزا للدراسات الدبلوماسية ولتتمكن كلية متخصصة فقط في علوم الاقتصاد من إقامة مركز للدراسات المصرفية ومصرفا لخدمة الجامعة وتدريب الطلاب عملياً علي العمل المصرفي . وكنت هناك عند قيام كلية العلوم الأسرية وتنمية المجتمع وكلية دراسات الكوارث والأمن الإنساني. وكلية الألسن وعميدها البرفسور سيد حامد حريز وتحويل نظام الامتحانات ليصبح إلكترونيا وتصبح الدراسة بالشاشات الذكية بعد أن وفرت الجامعة لكل فرد في هيئة التدريس جهاز آيباد. وتم تكليف البرفسور الطيب زين العابدين بتأسيس الموسوعة الإفريقية التي تسعي لتجميع المخطوطات وكل ما يتعلق بالثقافة الإفريقية في الجامعة. هذا التطور لا يحدث اعتباطاً ولكن يمهد له بدراسة متأنية من لجنة المناهج والتخطيط الاكاديمي في الجامعة ثم يرفع بعد الدراسة لوزارة التعليم العالي للموافقة عليه وإجازته وفقاً لقواعد صارمة تشترطها الوزارة للمصادقة بقيام الكليات. أذكر أن الموافقة علي تأسيس كلية العلوم الإدارية استغرقت خلال الجرح والتعديل بين الجامعة والوزارة عامين كاملين.
وللإنصاف لا بد من كلمة في حق الرجل كمال محمد عبيد . أذكر أنه عند التحاقي بالجامعة سرد علي طرفاً من تأريخها أكد فيه جهد من سبقوه في تطويرها ولم يتعرض لأحدهم بكلمة جارحة واحدة أو اتهام بل سارع قبل عامين بإطلاق أسمائهم جميعاً علي قاعات الجامعة ابتداء بالبروفسور السفير محمد أحمد ياجي مرورا بالسعودي إبراهيم أبو عباءة الذي نوه في مجلس الأمناء بعبارة مؤثرة بهذا العرفان، وانتهاء بسلفه بروفسور حسن مكي. ويجدر بالمنصف الذي يتحري الحق أن يحفظ للرجل حقه اعترافا وتنويهاً ببذل وعطائه اللامحدود لهذه الجامعة. والذين يعرفونه عن قرب لم يستغربوا جهده الذي يصل فيه الليل والنهار ساعياً بين كليات الجامعة ومزرعتها ، فهم يعرفون عزمه علي اجتياز الصعاب إلي حد القسوة علي نفسه . وأمثاله يتعبون أعوانهم ويتعبون من يجئ بعدهم. أسأل له من الله التوفيق إن ظل في موقعه الحالي وقد تبقي له في الأصل نحو عام أو غادره إلي غيره فسيحفظ له التأريخ والآلاف من أبناء افريقيا والعالم الذين أحبهم وأحبوه ممن شهدوا عهده وقبل أولئك جميعاً هناك وعد الله الذي لا يخلف لمن أحسن عملاً.
.وفي الختام أقول إن مؤسسة ثقافية تعليمية بهذا الوصف حري بالحكومة القائمة في السودان سواء آمنت برسالتها الحضارية والإنسانية في نشر المعارف وتمتين عري المجتمعات الافريقية ورفع اسم السودان عالياً في إفريقيا وما وراء إفريقيا أو لم تؤمن ينبغي أن تحرص علي وجودها في السودان ودعمها باعتبارها أداة من أدوات القوة الناعمة و ذراعاً هاما من أذرع الدبلوماسية العامة بل وتسويقها للاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي لدعمها وتعميم تجربتها . ونقول مع ذلك أن من حق الدولة كشريك مع دول أخري وبحق كونها دولة المقر التأكد من التزام الجامعة بما نصت عليه قوانين تأسيسها ونظم وزارة التعليم العالي وبقوانين البلاد .
أما اخضاع وجودها وعدمه للعراك السياسي والأيديولوجي، فإن ذلك يشكل خسارة فادحة لمصلحة متحققة للسودان من وجود هذه الجامعة علي أراضيه، لا تخطئه العين .

تعليقات الفيسبوك