المسلمون بين المناجزة وصناعة الحضارة!

يرى الدكتور جون فول فى الأطروحة الأكاديمية التى نال بها درجة الدكتوراة فى التأريخ من جامعة هارفارد الأمريكية عام 1971 والتى كانت بعنوان ” تأريخ الطريقة الختمية فى السودان”, أن قصة العالم الإسلامى فى العصر الحديث هى قصة التعاطى بينه وبين الغرب فى سياق أوضاع العصر الحديث. وأن الهجمة الأوربية الإستعمارية على بلاد المسلمين فى القرنين الثامن والتاسع عشر الميلاديين بالإضافة إلى تصدع الإمبراطوريات الإسلامية التى كانت قائمة: العثمانية والبويهية والمغولية الإسلامية فى الهند (سواء كان ذلك نتيجة للهجمة الغربية أو كان سبباً لوقوعها), قد دفع المسلمين فى إتجاهات عدة لمناهضة تلك الهجمة والدفاع عن ديار الإسلام ورقعته الممتدة : إتجاه يرجع ضعف المسلمين وقابليتهم للإستعمار لما إبتدع المسلمون فى دين الله من بدع وخرافات لوثت أصول الإسلام المتمثلة فى الكتاب والسنة وأفضى ذلك إلى ضعف المسلمين وأن الحل يكمن فى تنقية عقائد المسلمين والعودة بها إلى ما كانت عليه فى الصدر الأول للإسلام وقد مثّل هذا الإتجاه الشيخ محمد بن عبد الوهاب الحنبلى فى نجد وأعلن الجهاد لإنجاز تلك المهمة على الأضرحة والمزارات فاقام مع آل سعود الدولة السعودية الأولى مهتدية بتلك المبادىء. أما الإتجاه الثانى فقد تمثل فى قيام حركات التصوف فى كثير من أصقاع العالم الإسلامى وإحياء عقيدة المهدية لدى أهل السنة . وغاية ذلك الإحياء هو مقاومة الحملة الإستعمارية تحت قيادة مهد يرجع نسبه إلى الأسرة النبوية أو مجدد للدين مؤيد بالخوارق تحارب معه الملائكة مع جموع المسلمين الهجمة الإستعمارية. وهكذا ظهر مهد فى بقاع كثيرة فى العالم الإسلامى متأثراً بفكرة الجهاد التى أحياها محمد بن عبد الوهاب لكن وفقاً لتصورات صوفية ترى أن المهدى مؤيد بقوى خارقة تنتظر المدد من السماء لدحر الغزاة. وهكذا إنتشرت الحركات الصوفية على إمتداد العالم الإسلامى حتى أصبحت هى السمة والتعبير عن الإسلام فى تلك الأنحاء . أما الإتجاه الثالث فهو إتجاه برز فى أخريات الحقب الإستعمارية متأثراً بالطبع بما جاءت به من أفكار عصر التنوير والحداثة وهو يرى ضرورة اللحاق بركب النهضة الغربية وإتباع ذات الأسباب التى إنتهجها الغرب فى النهوض بمجتمعاته ومن ذلك الفصل بين عالمى الدين والدولة نسجاً على منوال عصر التنوير والنهضة حيث ظلت الكنيسة تحتكر تفسير الديانة المسيحية وتسيطر على الحكام وعلى الحياة الثقافية ووقفت حجر عثرة فى وجه العلوم الطبيعية مما حتم التخلص من سيطرتها وحصرها فى أمور التعبد الروحية.
والشاهد هنا أن سقوط العالم الإسلامى تحت السيطرة الإستعمارية كان نتيجة لسقوطه من سدة الريادة و لتوقف المسلمين عن صناعة الحضارة والتنحى عن دور الأمة المثلى الأنموذج للبشرية من الناحية الأخلاقية الإنسانية ومن ناحية التفوق المادى الذى كلما أرتقى ارتقت فرص الإرتقاء بكرامة الإنسان وإنسانيته فمن شأن ذلك تحقيق حد الكفاية بسبب الوفرة وقد يرتكس ذلك التفوق المادى بالناس ايضاً فى حمأة الشهوات فى غياب منظومة من القيم الرفيعة ( ومن الإنصاف الإقرار بأن الرقى المادى لأوروبا قد جلب معه الكثير من القيم الإنسانية الرفيعة مع ما جلب من إفرازات مصادمة للقيم المشتركة للديانات السماوية الثلاث.) . وانتهت ريادة دفة التقدم فى بعده المادى على الأقل إلى أوروبا تأسيساً على علوم وتقنيات فى العمارة والطب صنعها المسلمون حيث كانت كتبهم فى العلوم والهندسة وعلم الحساب والطب هى عمدة الكتب فى الجامعات الأوروبية حتى بداية القرن السابع عشر الميلادى . (للدكتور أمين حامد زين العابدين رصد ممتاز وموثق لذلك نشر سلسلة منها فى مجلة المبتعث السعودية لعام2013) .وعليه فتخلف المسلمين ليس بسبب الدين بل إن بعض مفكرى عصر التنوير كانوا فى معرض المقارنة بين دور المؤسسات الدينية المعادى للتقدم فى أوروبا يشيدون ببساطة الإسلام وعقلانيته المتصالحة مع القوانين الطبيعية. فكأن أوروبا مع بدايات القرن الثامن عشر قد خلعت رداء الذيلية والتخلف وقلدته العالم الإسلامى الذى يعود إليه الفضل فى إخراجها من عصورها المظلمة إلى عصور النور بادى ذى بدء. والعبرة هنا أن الريادة وصناعة الحضارة متاحة عبر إمتلاك ناصية علوم الطبيعة بما يحقق أعلى درجات الحرية والتكريم للإنسان. صحيح أن إمتلاك ناصية العلوم لا يحقق وحده عالماً إنسانياً يسوده العدل والمساواة فى غياب مبادئ سامية تعلى من قيم السلوك الإنسانى لكن غيابه يقعد بأهل العزائم والرفعة الأخلاقية لأن مقاليد الأمور تكون بيد من يملك علم الطبيعة والقدرة على تسخيرها.
تزامنت حملة أوروبا الإستعمارية مع تفكك الإمبراطوريات القديمة فيها وولد بعد مؤتمر( ويستفاليا) عام 1648 نظام ( الدولة-الأمة) أو الدولة القطرية وهى دولة مركزية متجانسة عرقاً وديانة لتحل محل تلك الإمبراطوريات القديمة التى كانت تضم الواحدة منها مجتمعات متباينة الديانات والأعراق والثقافات.وهكذا برز النظام الدولى الجديد القائم حتى الساعة على ركيزة ( الدولة-الأمة).ومن مشكاة الدولة-الأمة برزت إيدولوجيات القومية فى أوروبا حتى أصبحت من الرسوخ بما يمكن أن يوصف بالإله المعبود.وتراوحت فكرة القوميات هناك تشدداً وإعتدالاً.ففى ألمانيا جزم ( فيخته) بإرتباط اللغة بالنقاء العرقى واعتبر اللغات الأوروبية الأخرى هجيناً نتجعن هجرة القبائل الجرمانية إلى فضاءات تسود فيها اللغة اللاتينية ولغات أخرى فهى بذلك الوصف ليست فى مصاف لغة(الدويتش) الأنقى التى لم تشبها الشوائب وعليه فالنظرية القومية قامت على وحدة اللغة لكنها لم تخل كما ورد من شنشنة العرقية العنصرية.
وقد فعل الفكر القومى فعله فى المجتمعات الأخرى واعتبر كأنه الأنموذج المفضى بالمجتمعات إلى التطور والنماء كما فعل فى أوربا . لذا فقد تبنت جمعية الإتحاد والترقى فى تركيا فكرة القومية الطورانية وتتريك مكونات الإمبراطورية العثمانية المتباينة إلتماساً للتجانس الذى هو عمدة الدولة-الأمة. استفزهذا التطور المجتمعات المتعددة الثقافات فى إطار الأمبراطوية ومن كنانة ذلك خرجت القومية العربية وتراوحت هى الأخرى للمفارقة بين عرقية مرجعيتها الجاهلية الأولى حيث نقاوة اللغة ونقاء العرق إلى إعتدالية رأت إستحالة نقاء العرق وجعلت وحدة اللغة أساساً للقومية عند ساطع الحصرى . وهكذا أدى تبنى الفكر القومى من قبل الأتراك إلى قيام الثورة العربية وإنهيار الإمبراطورية العثمانية ضمن عوامل أخرى بطبيعة الحال.
ونالت أكثر دول العالم الثالث إستقلالها بعد الحرب العالمية الثانية .ووجدت العالم منقسم فى حقبة الحرب الباردة إلى قطبين إشتراكى شرقى وراسمالى ليبرالى غربى فتوزعت أشواق النخب فى ذلك العالم تلتمس أنماطاً عصرية للحكم وكان أنموذج ( الدولة-الأمة) تركة خلفها الإستعمار فانصب الصراع على أشكال الحكم ومحاولات تطبيق عمياء لم تستدرك أخطاء الإستعمار. يقول فى ذلك وزير خارجية الهند الأسبق (جاسوانت سنج ) فى كتاب ضخم عن محمد على جناح مؤسس باكستان إن إفتتان( جواهر لال نهرو) زعيم الهند المعروف بنظام ( الدولة-الأمة) المركزية القابضة فى أوروبا وإعتماد الديمقراطية على الأغلبية الميكانيكية هو الذى أدى لإنقسام الهند وقيام باكستان إذ رفض فى عناد تقديم أى تنازل للأقلية المسلمة وهى أقلية كبيرة العدد كان يمثلها حزب الرابطة الإسلامية بزعامة جناح دعت إلى فدرالية فضفاضة تتيح للأقاليم قدراً من السلطة فى إدارة شؤونها. ونتج عن إصرار نهرو وحزب المؤتمر على مركزية الدولة إلى إنفصال الأقاليم ذات الكثافة الإسلامية فى شرق البنغال وشمال الهند إلى إنفصالها وقيام الباكستان.وهو عينما ذهب إليه الأستاذ محمد جمال باروت :”من هنا ما كان لهذا النموذج ( أى الدولة-الأمة) وحيثما طبق فى المناطق المركبة الهوية إلا أن يحول ملايين السكان بين عشية وضحاها إلى أقليات مضطهدة” ويقول ايضاً ” إن مصطلحات “القبرصة” و “المقدنة” (من مقدونيا) و” اللبننة “هى نتاج إنهيار نظام مؤسسى مركب الهوية” وتوشك رياح العولمة العاتية أن تقضى على ما تبقى من سلطان للدولة-الأمة عبر الدمج الإقتصادى فى إقتصاديات العالم التى تتحكم فيها الشركات متعدية الجنسيات وعبر الحدمن سلطات الدولة- الأمة كأمرواقع فى ميادين الإعلام والتربية والثقافة عبر الشبكات العنكبوتية وتزايد تأثير منظمات المجتمع المدنى وهو تطور بقدر ما ينتج من تكتلات إقتصادية كما الحال فى منظمة (بريكس) وإقتصادية وسياسية كما فى حالة الإتحاد الأوروبى فإنه يضعف الدولة- الأمة المصطنعة فى العالم الفقير لذلك نرى نذر هبوطها إلى مستوى ما دون الدولة للقبلية والعشائرية والجهويات.
وشهدت فترة الإستقلال فى كثير من الدول العربية وبعض الدول الإفريقية صراعاً حاداً بين النخب العروبية فيما بينها و فيما بينها وبين المجموعات الإسلامية صرفها جميعاً عن معالجة التركة الإستعمارية فى قيام الدول وترسيم الحدود الذى فرضه التسابق بين الدول الإستعمارية ولم تفرضه ضرورات التجانس كما هو الحال فى أوروبا ليس بالعودة إلى الصيغ الإمبراطورية القديمة ولكن بتدابير كالفدرالية على مستوى الدولة الواحدة أو بالصيغ الإتحادية الفضفاضة بين أكثر من دولة كانتا فى السابق كياناً واحداً درءاً للتصدع الناتج من عدم تجانس تلك المجتمعات وهو ما يحدث الآن فى أكثر من بلد. أما إخفاق النخب الأهم فقدكان غياب مشروع نهضوى يقوم على حقيقة أن المناجزة مع الإستعمار قد إنتهت وأن مناجزة أخرى مع التخلف والمرض هى المعركة الوطنية الأهم. صحيح أن نكبة فلسطين قدأعادت المواجهة إلى الواجهة مجدداً لكنها للأسف اتخذت ذريعة للتسلط وتكريس إيدولوجيات معينة لم تفعل للقضية الفلسطينية شيئاً لكنها جمدت حتى مجرد التفكير فى بلورة مشروع نهضوى ينقل المنطقة من دائرة العجز والتردى المستمر إلى العصر. والمشروع النهضوى لا يتم بالنقل الحرفى كما رأينا للتجربة الأوروبية لكنه يتم بتصرف يراعى الخصوصيات الثقافية والحضارية وقد تنبه لذلك رواد الثورة الجزائرية عندما أشاروا فى ميثاقهم إلى أن هدف التحرير هو “إقامة دولة عصرية فى إطار المبادئ الإسلامية” وقد صرفتهم الصوارف عن تحقيق ذلك وعجز المسلمين عن إجتهادات تقيم موائمة بين العصر وبين المبادئ الإسلامية كسياج حضارى تترعرع فى كنفه النهضة وإمتلاك ناصية العلوم كما اتفق الآن من النجاح للميراث الكونفوشى فى الشرق الأقصى. فمثلما أن التصدى الذى كان لصد الهجمة الإستعمارية يندرج فى سياق التحرر من سيطرة الإنسان على أخيه الإنسان فإن إمتلاك ناصية العلوم والتقانات التى تمكن شعوب ذاك العالم العربى والإسلامى من الإكتفاء من ضرورات العيش الكريم يعد شرطاً لازماً لتحقيق الكرامة الإنسانية.
ومن البشارات التى حدثت مؤخراً فى المنطقة تحقيق الديمقراطية فى أكثر من بلدعربى فيما عرف بثورات الربيع العربى مؤخراً أو ما أطلق عليه الدكتور طارق سعيد رمضان ” صحوة العرب” التى لا تستحق عنده اسم الثورة حتى تحقق مقاصدها فى الديمقراطية والرفاهية والتقدم لشعوبها فيلزم المحافظة على هذا المكسب الذى يعد شرطاً ضرورياً لعملية إستئناف البحث عن مشروع نهضوى ينقل الأمة والمنطقة من أوضاعها السيئة الحالية إلى فضاءات أرحب تستشرف بها حقباً من صناعة التقدم. ولأن الديمقراطية الوليدة لا زالت قائمة وإن ظلت ضعيفة مهزوزة تجور بها الأزمات طوراً وتهتدى إلا أن تبعات بقائها وإستمرارها تقع على عاتق النخب كافة ونصيب المسؤولية فى ذلك فى الدول التى وصل فيها الإسلاميون للسلطة عبر الإقتراع يكون أوفى وأكبر من أنصبة غيرهم عبر الحكمة والتصالح مع الواقع الشاخص فى مجتمعاتهم وإشراك المكونات الأخرى لشعوبهم فى القضايا المتعالية بطبيعتها على الإنتماء الحزبى والمذهبى والعقائدى وإزالة المخاوف من التسلط والإعتماد على الشعارات بديلاً عن تغيير الواقع البئيس الذى تعيشه مجتمعاتهم. إن المحافظة على مكسب الديمقراطية يعد شرطاً ضرورياً لإلتقاط الأنفاس ولمعالجة التركة الإستعمارية وتركة الإستبداد إستعداداً لتحديات حقبة ما بعد الحداثة التى ستضعف أكثر الدولة- الأمة وللتأهب لوضع وتنفيذ مشروع للنهضة.

(2-2)
تنحصر مهمة الإسلاميين الذين وصلوا للسلطة عبر الإقتراع الحر الشفاف لا فى إنفاذ ما يرونه مشروعاً إسلامياً ( فلا أعرف مشروعاً إسلامياً يترجم مبادئ الإسلام العامة فى العدالة والمساواة والحرية تتناسب مع العصر الذى نعيشه كما سيرد لاحقاً) بل فى توحيد الأمة حيثما كان المسلمون أغلبية ساحقة فى تقوية مؤسسات الحكم الديمقراطية وإشاعة الحريات وإبتدار دعوة لبلورة مشروع للنهضة تساهم فيه جميع تيارات المجتمع وحتى الأقليات غير المسلمة فى إطار قيام الحقوق والواجبات على المواطنة وحدها وفى إطار مبادئ العدالة والمساواة الإسلامية. ذلك لأنى لا أعرف مشروعاً إسلامياً قابلاً للتطبيق فى هذا العصركما تقدم ولنكن صرحاء فليس للإسلاميين برامج فى نمط الحكم وفى الإقتصاد ومحاربة الفقر وتحقيق العدالة بين الناس يتميزون به عن غيرهم. هناك إجماع بينهم على شئ واحد هو القوانين الحدية أى القانون الجنائى وهو يشكل جزئية صغيرة فى معترك الحياة الواسع يعاقب الجنوح والإعتداء على الغير وعلى حرياتهم وخصوصياتهم. والجنوح والجريمة إستثناءات لا تبنى عليها الحياة وإنماء تبنى الحياة على الخيرية وتوضع القوانين لحماية تلك الخيرية وليس العكس فضلاً عن كون تطبيق تلك الحدود يرتبط بتحقيق شروط بعينها كالكفاية والعدل والسوية. ولأن ذلك القانون الجنائى أو الحدود يعد جزئية فمن الطبيعى ألا تقوم الدولة على جزئية والدعوة لإعتماد دساتير إسلامية لا تكاد تتعدى هذه الجزئية .وحتى هذه الجزئية المتمثلة فى الحدود فقد رأى الأستاذ حسن الهضيبى المرشد العام الأسبق لحركة الاخوان المسلمين وهو قانونى مرموق أن تطبيقها لا يكون إلا بقيام النظام المثالى الذى تسود فيه الكفاية والعدل والطهر وإلى ان يتحقق ذلك تطبق القوانين السائدة على إعتبار كونها أحكاماً تعزيرية (دعاة لا قضاة).ونقول ذات الشأن فى الأمور الأخرى فأين الإقتصاد واين الثقافة والفنون واين التعليم وأين التعامل مع عالم محكوم بنظم ومؤسسات دولية فاعلة ومؤثرة فى إطار نظام عالمى وقوانين تحكم العلاقات فى البر والبحر و الجو وتحكم التجارة والإقتصاد وثقافة عالمية يصعب التنصل من تأثيراتها. وأحسب أن الناس فى معظم البلاد التى تنشط فيها الحركات الإسلامية ليسوا فى حالة رفض للتعاليم الإسلامية . والتخوف من الشريعة إنما هو تخوف من إختزال الإسلام كله فى القانون الجنائى المتمثل فى الحدود وخلو برامج الحركات الإسلامية من مشروعات متكاملة تحكم جوانب الحياة المختلفة وتمكِّن مجتمعات المسلمين فى عصر بالغ التعقيد من التقدم.. وأحسب أن رسالة الحركات فى إستئناف نهضة الشعوب الإسلامية تكمن حالياً فى تمتين هذه المشتركات المعرفية الحضارية بحيث ينصرف جهد المسلمين مجتمعين فى أوطانهم إلى العناية بالإنسان وتكريمه وفق النداء الربانى: ” ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً” (70 الإسراء) والسعى لتحقيق إجماع على مشروع نهضوى عام يعنى بإقامة نظم التعليم على توطين المعارف العلمية والتقانات سيكون بالضرورة فى البلاد ذات الأغلبية المسلمة فى إطار المبادئ الإسلامية العامة بغض النظر عن طبيعة التيارات التى تحكم وسيكون بالتالى الدفاع عن الأوطان فى حالة تعرضها للإستهداف مستمداً من العقيدة الإسلامية ولن يجعل تلك المهمة وقفاً على تيار بعينه ففى الثقافات جميعاً يواجه الناس الموت ذوداً عن أوطانهم وفقاً لمعتقداتهم فى معانى التضحية والفداء . وتكرمة الإنسان تتحقق فى الكفاية من ضرورات العيش وإحترام إنسانيته بقطع النظر عن دينه ولونه وأصله العرقى. وهذه قاعدة إسلامية تلتقى مع الإعلان العالمى لحقوق الإنسان. لذلك يتعين فى المجتمعات المتعددة المساواة التامة بين المواطنين على أساس المواطنة وحده. وتسامح الإسلام فى بداياته فى دولة المدينة يؤكد ذلك ويعد قاعدة يمكن أنينبنى عليها فقه فى التعامل مع الأقليات فى هذا العصر وفقاً لقاعدة المواطنة وهى تطور إنسانى نتج عن تراكم الخبرات البشرية الذى بلغ مدى إنسانياً يوشك أن يقضى على التحامل الذى يساء إستخدام الدين لتبريره .ويمكن إذن إعتبار وثيقة المدينة وعاء تطورت فى كنفه التجربة الإنسانية فى التعامل مع الأقليات حتى بلغت اليوم ما نسميه اليوم المواطنة أى الصفة الوحيدة لتى ترتب عليها الحقوق والواجبات. أشار أمين معلوف فى كتابه فى الهوية إلى ذلك التسامح وهو مسيحى من لبنان يعيش فى فرنسا إلى أن عائلته احتفظت بديانتها منذ ألفى عام فى لبنان وظلت كذلك على ديانتها المسيحية بعد أن إجتاح الإسلام والمسلمون المنطقة . قال إنه يعتقد أن عائلته لو كانت عائلة مسلمة فى بلاد غزتها جيوش نصرانية لما بقيت فى قريتها محتفظة بدينها الإسلامى على مدار ألفى عام . ويتبع ذلك بالضرورة ألا يحال بين معتنقى الديانات الأخرى فى ظل دستور اعتمد بطريقة ديمقراطية شفافة بأن يتقلدوا أى وظيفة فى الدولة وفق الضوابط التى يخضع لها الجميع دون تمييز.
إن كرامة الإنسان هى أولوية لا تتحقق بدونها نهضة. وبالتالى لا تتحقق للمسلمين ريادة فقط لأنهم يملكون مزايا أخلاقية رفيعة محبوسة فى بطون الكتب. وإنما بتحقيق الريادة بإمتلاك ناصية العلوم لا لمناجزة الغرب ولكن لتحقيق مملكة الرب الفاضلة على الأرض وتحقيق القدوة الصالحة للبشرية على الأرض فالعالم الذى تهتز مقوماته اليوم بتفكك الأسربل و بإعادة تعريفها وإنتشار الخطايا المهددة لبقاء البشرية بحاجة إلى قدوة عملية ليست موجودة للأسف.و عالمنا الإسلامى الذى يتخبط فى الديكتاتوريات وتضربه المجاعات والأوبئة والبؤس لا يمكن أن يكون قدوة لأحد ولا يمكن أن يكون هو الأمة الوسط الشهيدة على الناس وتميز الإسلام كمتمم لمكارم الأخلاق فى بطون الكتب فقط يعد حجة على المسلمين لا لهم. والنماذج القليلة التى تعد بدايات فى الطريق الصحيح توجد فى تركيا وماليزيا لأنها محاولات جادة لكسب المعارف الضرورية لتحقيق كرامة الإنسان المسلم بإكتساب المعارف العلمية الضرورية اللازمة للنهضة. الحركات الإسلامية لم تغادر محطات القرنين الثامن والتاسع عشر فى شحذ الهمم للمقاومة والمجابهة وإرجاع كل إخفاق لتربص الأعداء وبالتالى صرف الجهد لتركيب الأسنة على القنا بديلاً عن مجاهدة النفس على فك شفرات التقانات المعاصرة لتحقيق الكرامة الحقيقية لأوطانها مثل ما فعلت حضارات الصين واليابان وعلى الطريق الهند والبرازيل واندونيسيا وفيتنام وكوريا الجنوبية .ولذلك بقيت منطقتنا فى ذيل القائمة تخطو خطوة ثم تتراجع خطوات. جهد الحركات الإسلامية ينبغى أن ينصرف عن السعى لكراسى الحكم لجمع شتات الأمة على إطار فضفاض للمبادئ الإسلامية لإستئناف تعلم علوم العصر لترقية الإنسان المسلم من الأمية والجوع والأمراض الفتاكة وتمكينه بذلك من إنتاج غذائه وكسائه ودوائه. تلك هى معالم الطريق الحقيقية وذاك هو الطريق الذى لا سبيل سواه. والإسلام موجود فى وجدان الأمة حتى بين المواطنين غير المسلمين كثقافة وحضارة وأحسب ان إحتكار التحدث باسمه من قبل فئات بعينها هو الذى يثير حفيظة المسلمين على إعتبار كونه ملكاً للجميع لا يجوز إحتكاره من قبل أحد.
والدور الذى لعبه الإسلام فى تحرير شعوبه من قبضة الإستعمار والتأريخ الطويل الذى عاشه العالم الإسلامى فى ظل الإمبراطوريات الإسلامية عبر القرون خلق من الإسلام سياجاً حضارياً حتى لغير معتنقيه من أتباع الديانات الأخرى الذين عاشوا فى كنفه بين المسلمين. فنظم الأحوال الشخصية والمواريث قد صبغت الحياة الإجتماعية والأعراف بصبغة إسلامية لا تخطئها العين . فلا توجد فى بلاد المسلمين اليوم نظم تبيح الزواج المدنى مثلاً أو ترفض نظام المواريث .وحتى المثاليات فى العدل والمساواة لدى العلمانيين لا تخرج كثيراً عن أنموذج عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وأبوذر الغفارى وهكذا وقد سبق أن كتب الدكتور عبد الله على إبراهيم مقالة ذكر فيها أن الأستاذ عبد الخالق محجوب قد تمنى على الشيوعيين السودانيين التماهى مع مثاليات الإسلام فى الزهد والتواضع والعدل ذكر فيها تجرد مصعب بن عمير الذى ترك حياة الترف ومات على أسمال لم تكد تغطى جثمانه يوم استشهد وعن عمر بن الخطاب الذى كان ينام تحت شجرة وهو على رأس إمبراطورية مترامية الأطراف .ولعله تحسر –إن لم تخنى الذاكرة- على خطاب إسلامى متشدد لايسمح للشيوعيين بالتعبير عن تلك الأشواق ومقاربتها.وللدكتور عبد الله أحمد النعيم كتاب صدر عام 2008 بعنوان “الإسلام والدولة العلمانية ” يتحدث فيه من منظور الفكر الجمهورى عن ضرورة إلتزام المسلمين بالشريعة لكن يلزم ذلك أن تكون الدولة علمانية حتى يتم الإلتزام بتعاليم الإسلام دون إكراه من قبل الدولة بالطبع مع إجتهاد جديد فى أمور الشريعة ذكرمنها قوامة الرجال على الناس ومفهوم أهل الذمة والجهاد بإستخدام العنف يفضل هو أن يتم وفق منهجية الأستاذ محمود محمد طه وفهمه للشريعة أى وفق مفهموم الرسالة الثانية لكنه لا يمانع فى بلوغ ذلك عبر منهجيات أخرى.وليس هذا موضع مناقشة ما ذهب إليه الدكتور لكن أردنا تأكيد ما أشرنا إليه أن الإطار العام للإسلام يمثل مرجعية معرفية مقبولة للمسلمين على إختلاف توجهاتهم وعلى الجملة فالعقل المسلم حتى غير الملتزم بالشعائر لا إعتراض له على الإطار العام للحياة الذى صنعه الإسلام ولعل ذلك ما عناه الأمريكى (نوح فيلدمان) فى كتابه “سقوط وقيام الدولة الإسلامية” الذى أشار فيه إلى هذا السياج الحضارى الذى يجعل المسلمين لا يعتبرون سقوط الدولة او النظام الإسلامى سقوطاً لمبادئ الإسلام فى شأن الدولة ولذلك قال إن جميع الإيدولوجيات عندما تسقط يكون سقوطها أبدياً إلا الإسلام الذى يكرر العودة بعد السقوط. واعتبر هذا السياج بنظمه الأهلية وبطبقة العلماء المستقلة بذاتها عن الحكومة المراقبة للاداء العام للدولة هى الشريعة وليس القانون الجنائى والعقوبات وحدهما.والدليل على عودة الإسلام وعدم تجريمه بأخطاء التطبيق ما حدث فى تركيا بعد عقود من قبضة العلمانية الكمالية المتطرفة المعادية للدين تلك العودة المتمثلة فى فوز حزب حاكم فيها اليوم بمرجعية إسلامية.وكان عصمت اينونو الذى خلف أتاتورك رئيساً لتركيا فى خمسينيات القرن الماضى قد رأى إرهاصات ذلك عندما قال”زرعنا العلمانية فحصدنا الإسلام !” ومن ذلك أيضاً ما حدث فى تونس من فوز ساحق للإسلاميين بعد علمانية متشددة فرضها بورقيبة لعقود طويلة أيضاً . هذا القبول العام يفتح المجال لإعتماد مشروع عام للنهضة يقوم على ما تقدم ذكره وإعتبار الإسلام كإطار معرفى عام لا يختلف عليه تتطور الحياة فى إطاره فى سياج العصر الذى نعيش فيه. والنهضة التى تحققت لليابان وللصين تمت بفك شفرات التقانات المعاصرة وإمتلاك ناصية العلوم الطبيعية وذلك كله فى إطار روح وسياج الفلسفة الكونفوشية. كتبت الأنثربولوجية ( روث بنديكت) عن اليابان عام 1946 كتاب بعنوان “بين زهرة الأقحوان والسيف” أعيد طبعه حتى عام 2000 ستة وأربعين مرة لأهميته وجدواه حتى اليوم فى فهم الشخصية اليابانية , كتبته عقب إستسلام اليابان بعد هزيمة دول المحور فى الحرب العالمية الثانية عن العقلية والشخصية اليابانية وعن عادات وتقاليد اليابانيين فى التواصل الإجتماعى وفى المأكل والسلوك داخل الدور.وزهرة الأقحوان هى الرمز الإمبراطورى والسيف هو رمز الساموراى المحارب العنيد وبين النقيضين يكمن سر الشخصية اليابانية . قال لى مثقف يابانى عام 2001 إن شيئاً من تلك التقاليد والعدات ومنظور الفرد اليابنى للحياة لم يتغير حتى اليوم ذلك رغم مظاهر اليابانيين الخارجية فالتقدم والعيش فى إطار العصر أضمن فى ظل السياقات الحضارية والثقافية عبر التثاقف الخلاق الذى يحافظ على الهوية الحضارية للأمة وينفتح دون حرج على التجارب الإنسانية التى أثبتت جدواها فى ترقية حياة البشر على هذا الكوكب. وتمنعنا مخافة الإساءة إلى شعوب دخلت جحر الضب خلف أوروبا ففقدت شخصيتها الثقافية ولم تغادرموقعها فى طوابير المتخلفين إلا فى الأشكال والشارات وتوافه الأمور.
. ولكى لا يؤدى الإستقطاب الحاد القائم حالياًبين النخب الإسلامية الحاكمة والنخب الليبرالية المعارضة إلى إشتباك مدمر يعيد المنطقة إلى عهود الإستبداد السياسى وإعادة الحياة للدورات الخبيثة من الصراع الدام على السلطة وربما لتجزءة للأوطان , يتعين على الحركات الإسلامية ما يلى:
— والقبول فى المعترك السياسى كمبدأ لا ك (تكتيك) بالديمقراطية كحل لإدارة البلاد. وهى بذلك لا تكون قد أبعدت النجعة عن مفهوم الشورى على إعتبار أن التجربة البشرية المستوعبة لإتساع العمران قد طورت ذات المبدأ عبر التطبيق إلى الديمقراطية السائدة فى هذا العصروهو مبدأ تعطل تطبيقه لدى المسلمين بعد بيعة يزيد بن معاوية لأكثر من الف عام وبالتالى تعطل مع تعطيل التطبيق النظر فى تطوير هذا المبدأ الهام فى الحكم الأقرب لمعانى التوحيد فى إخضاع الحكام لإرادة المحكومين فى رعاية مصالحهم عبر المحاسبة والشفافية وإنتفاء القداسة والتأليه. لقد حرمت بيعة يزيد المسلمين من موقع المرجعية عبر التجريب فى تعليم الإنسانية ثمرات هذا المبدأ العظيم فى إختيار الحكام ومحاسبتهم.
ورد أن الصحابى عبد الرحمن بن عوف ذكر أنه والنفر الذين كلفهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بإستشارة المسلمين فيمن يخلفه دخلوا حتى على العذارى ربات الخدور يستشيرونهن فى على وعثمان. هذه قضية تبدوحلاً جاهزاً لموضوع الحكم فكأن لجنة عبد الرحمن بن عوف قد وضعت سياجاً ووعاء يتطور داخله مبدأ حكم الشعب وإرادته عبر التجارب الإنسانية على مر العصور. فلتقر حركات الإسلام السياسى بوضوح مبدأ الديمقراطية والتداول السلمى على السلطة وإن رأى الناس فى أقتراع قادم أن يسلسوا قيادهم لحكم علمانى فليكن إستناداً إلى ما جاء فى التنزيل “لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى.” قبول حركات الإسلام السياسى بهذه القاعدة الذهبية ستجعل التجارب الإسلامية فى الحكم تجارب تخضع للإختبار كسائر التجارب الأخرى وتنزع عنها بهاء قداسة لا تستحقه تجربة قائمة على إجتهاد البشر فى فهم النصوص والتوجيهات الأزلية وستقضى على حالات الإستقطاب الحاد فى البلاد الإسلامية حيث يخشى الناس من أن تكون الإنتخابات التى يفوز فيها الإسلاميون هى آخر الإنتخابات بل وستحفز الإسلاميين لتجويد بضاعتهم وتطوير برامجهم بدلاً من أن يجعلوا مجرد بقائهم فى السلطة محمدة وإبقاء للنظام الإسلامى ولو صورياً!
— إستناداً على مقاصد الشرع من الإقتصاد يلزم بلورة رؤية إقتصادية تجعل هدفها محاربة الفقر والبطالة وتحقيق حد الكفاية لجميع المواطنين بقطع النظر عن معتقداتهم وما يلزم من ذلك من مجانية التعليم والصحة مع الإبقاء على آليات السوق ميداناً للتسابق الشريف فى الكسب . إن نظام المصارف الإسلامية فى المرابحة وفى التمويل وغيرها لم يغير واقع الفقر المزرى السائد فى بلاد المسلمين وهو كما وصفه الدكتور طارق سعيد رمضان خلق آليات أصبحت بمثابة الدروع لحماية الرأسمالية الجشعة و جعلت نظام الإقتصاد العالمى السائد مقبولاً فكانها تمكِّن له عوضاً عن خلق بديل له أكثر إنسانية. ومبدأ دولة الرعاية الإجتماعية طوره عمر بن الخطاب بمقولته المعروفة : لو عثرت بغلة بالعراق لخشيت أن يسألنى الله لم لم تعبدلها الطريق.فالناس أولى بالرعاية من الحيوان. إنمبدأ دولة الرعاية الإجتماعية قائم كمبدأ تختلف أساليب تطبيقه وفق آليات ووسائل كل عصر.
– ويلزم إلى جانب إمتلاك ناصية العلوم الطبيعية والتقانات العصرية الإهتمام بالعلوم الإنسانية وعلوم الإجتماع والسياسة والقوانين فالبشرية قد خطت خطوات واسعة فى مسائل التغيير الإجتماعى وتقانات التربية والتعليم والتصدى للجريمة وجنوح الأحداث و الإتجار بالبشر وتفشى المخدرات وتقانات السطو على محتويات الحاسوب وما إلى ذلك .وبتيع ذلك توفبر هذه العلوم جميعاً العناية بترقية المعرف باللغات الحية فى محاضن العلوم والمعاهد والجامعات الدينية لتشجيع الإجتهاد واستنباط الأحكام من واقع معرفة أصيلة بعلوم العصر حتى لا تكون مهمة تلك المؤسسات إستنساخ كتب بشرية تحمل آراء رجال أجتهدوا لمقابلة إحتياجات أزمنة غابرة. ويلزم أيضاً تشجيع قيام دراسات تعنى بالفكر الغربى وإتجاهاته حتى تتم مخاطبة العالم إنطلاقاً من معارف بثقافاته للتواصل الإنسانى معه. بهذه المزاوجة يصبح التثاقف الناتج عن إلتقاء حضارتين إيجابياً أخذاً وعطاءاً لا سلبياً يخضع فيه المغلوب لسلوكيات الغالب بلغة ابن خلدون أو بلغة ريدكليف براون ” تغير الحياة الإجتماعية لدى المجتمعات المتلقية بتاثير الفاتحين القادمين من أوروبا”.
-ويلزم لتحقيق النهضة تشجيع الأبحاث العلمية وتحفيز الإختراعات وتشجيع من فى الشتات من العلماء والباحثين بالعودة إلى أوطانهم وتوفير وسائط البحث العلمى ووسائل التواصل بالمراكز البحثية فى العالم وإعادة النظر فى مناهج التعليم العام والعالى فى هذا الإتجاه.
وعلى الجملة فإن الإسلام قد ركزعلى المبادئ اللازمة لتأكيد الكرامة الإنسانية وهى: العدل , المساواة, الحرية والتى تنبنى عليها المسؤوليات أكثرمما فصل من الهياكل والأشكال التى تتغير بتغيرات الأزمنة وإتساع العمران وتطور أوجه الحياة من البساطة إلى التعقيد لذلك ترك أكثر ذلك لتطور التجارب البشرية عبر العصور حتى لا يضيق واسعاً فمتى ما تحققت الغايات والمقاصد المرجوة من المبادئ كان ذلك من صميم الإسلام.
وماورد بشأن الحركات الإسلامية و ما يلزمها القيام به ينطبق على الحركة الإسلامية فى السودان بفصائلها الحاكمة والمعارضة فألح من كل ضرورة فى هذه الظروف العصيبة أن تسعى لجمع كلمة السودانيين وإشراكهم كأصحاب حق أصيل عبر توجهاتهم المختلفة فى الحفاظ على الوطن والتصدى للعنف عبر جبهة عريضة تقوم على الثوابت الوطنية والدعوة للديمقراطية والتداول السلمى على السلطة ولتنخرط تلك الجبهة مع حركات الهامش المدنية والمسلحة إن جنحت للسلم فى حورات وفقاً لتلك الثوابت للوصول إلى إتفاق يقوى مؤسسات الدولة مع النظر فى معالجة أوجه قصورها وتأكيد حيدتها ومهنيتها ويضع فى ضؤ ذلك أسساً للتنافس المدنى الديمقراطى على السلطة لا يضار فى كنفه أحد.ولتخرج تلك الجبهة العريضة – وقد نزعت مكوناتها عن نفسها مؤقتاً رداء الحزبية الضيقة والمرارات الممضة فى سبيل الوطن – إلى العالم بدعوة حقيقية للإصلاح وتحقيق الحكم المدنى ودرء مخاطر الإنزلاق العنصرى الدموى الذى يلوح فى الآفاق. ذاك أفضل إستدراك و تلك ابلغ الكفارات عن كل خطأ وقع أوخطيئة ارتكبت وذلك لكى يتمكن أبناء الوطن أجمعين من القيام بواجباتهم فى حمايته من التجزئة والزوال وبلورة مشروع للتمنية يفجر الطاقات يفضى إلى حصاد الموارد الهائلة التى يذخر بها السودان لخير ورفاهية مواطنيه.

تعليقات الفيسبوك